أقول لكم

محمد يوسف

اختصر روبرت مردوخ المسافات، واستبق الأحداث، فهناك خطيئة كبرى قد ارتكبت، وهناك رأي عام مستفز، وما انكسر لا يمكن وصله من جديد، إنها الثقة، والثقة في الغرب هي الفيصل، رغم القوانين، ورغم الحقوق المكفولة للجميع، حق التقاضي، وحق الدفاع، وحق إبداء الرأي، تبقى الثقة مقياساً وحكماً.

كسرت «نيوز أوف ذا وورلد» حاجز الثقة، مارست أعمالاً تخالف طبيعة عملها وأهدافه، وتعدت على حريات فئات كثيرة من المجتمع، هي لم تبحث عن الحقيقة، بل بحثت عن المصلحة، وتجاوزت الأخلاق، استغنت عنها، صارت وسيلة تدمير للقواعد التي تعبوا من أجل ترسيخها، ولم يشفع لها تاريخها، ولم تفدها اعتذاراتها، وحسم مردوخ الأمر ليعلن عن غضبه أمام الجمهور، ويبرئ نفسه، فهذه المرة ليس الخلاف حول خبر نشر واعترض عليه أحد الأطراف، وليس الحديث حول صدقية وشفافية وحيادية تحتمل النقاش، ولكنها الأخلاق الصحافية، وإن كانت مرتبطة بصحيفة قامت، منذ نشأتها في ،1868 على مبدأ الإثارة ونشر الفضائح، ذلك كان مسلكها، هي حرة فيه، ولكنها ليست حرة في الاعتداء على حرية الآخرين، وليست حرة في استخدام وسائل غير قانونية في الوصول إلى المعلومات، وليست حرة في انتهاك الخصوصيات، لأنها وببساطة كما تملك قانوناً يبيح لها نشر ما تريد، يملك غيرها قوانين تحميهم من انزلاقها وهي تستفيد من قوانينها، لهذا استبقت إدارتها حكم المحاكم وأوقفتها عن الصدور.

ذلك هو التوازن المجتمعي، كل فئة شرعت لها قوانين، وكل فئة لها مساحاتها الواسعة من الحرية والتحرك والحماية، وكل فئة لها حدود تتوقف عندها، أمامها خطوط حمراء غير مرئية، ولكنها موجودة من أجل الحفاظ على ذلك التوازن، لا أحد يطغى، ولا أحد يستبد بما توافر له من مكاسب، ولا أحد يظلم من دون أن يملك حق رفع الظلم، ويتحرك الجميع في مسارات متوازنة، تصب عند هدف واحد هو تكامل المجتمع وتطوره.

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر