أبواب
عضّ الأصابع
أخذ ربيع الثورات العربية جملة من المسارات الناشئة بعد الحالتين التونسية والمصرية لأسباب عدة، منها التدخل الأجنبي، والمفاوضات الميتة، ومحاولة بعض الدول الكبرى تبريد الأحداث بناءً على معطيات تفرضها مصالحها الخاصة لا غير.
صحيح أن الشارع العربي مازال ملتهباً، إلا أن المطالب لم تتحقق، والمطلوب هو أن يفهم الثوار أن المطالب لن تتحقق من خلال تدخل الدول أو المفاوضات، والأسوأ انها في ذهن السلطة مجرد افتراض يمكن أن تلعب معه لعبة «الغميضة» لتضييعأ الوقت؛ مراهنة بذلك على ضجر الشارع العربي، وعودته إلى الاستسلام إلى النوم الذي دام قرناً، وظلت فيه مفردة الإصلاح خاملة ومعطلة بلا بيت، حيث نجحت الأنظمة القمعية في دحرها وزجّها في ملجأ العجزة، كأنها مرض من الأمراض المزمنة.
ثمة لعبة عض أصابع تنتظر من الذي يقول: «آخ» أولاً، وهنا بيت القصيد، ومربط الفرس، ولأن الشعوب كانت ــ ولاتزال ــ تقول: «آخ»أ حتى تخدر لحمها سيكون على الأنظمة أن تجرب هذه المفردة بعد الآن كثيراً، وتعد نفسها للعويل من دون أن تتحدث عن الديمقراطية، لأن الثقافة الديمقراطية تربية وليست جهازاً يمكن أن يستورد ويركّب على كتف هذا النظام أو ذاك، ولأن هذه الثقافة تعني في ما تعني كفّ اليد عن مقدرات البلاد، والنزول عن أكتاف العباد، وتفعيل تداول السلطة، وهذه الاعتبارات مجتمعة لا يمكن التفكير فيها من قبل نظام لا يرى سوى نفسه، ويعتبر أن الشعب مجرد مجاميع يمكن تحريكها بالعصا، ويمكن تذويبها بالصبر، ويمكن خفض سقف مطالبها حتى يلامس الأرض، أو يغوص فيها كثيراً.
ثمة خوف على ربيع الثورات، لكن من المستحيل تماماً أن تعود الشعوب إلى الوراء، لسبب بسيط هو أن الأنظمة لم تترك لها ما تخسره في سوق الخسائر، ومن هذا السبب، ومع هذا السبب تحديداً، سيتصاعد الغضب لإرغام هذه الأنظمة على تغيير نفسها من خلال النزول عند رغبة الناس وقوة بأسهم التي، وأضعفت هيبة الاستبداد إلى غير رجعة.
وبناءً على ذلك؛ ليس من مصلحة الثورات العربية التحاور مع أصحاب الدبابات الخاصة والبنوك الخاصة، لأن الحوار سيكون خارج التغطية، ولأن المسموع الوحيد هو صوت الرصاص، ومع كل طاولة تنصب هنا أو هناك سوف يسقط المئات من المتظاهرين، ويسقط جزء من آلة القمع أيضاً.
لا يوجد حل أمام ربيع الشعوب العربية سوى تعزيز الثورات المطالبة بالحرية والكرامة وإسقاط النظم الدموية، وكل من يقول بغير ذلك من المعارضة يكشف عن تسوية مخجلة فيها اعتلال وطني تتم في العماء لمصلحة الأنظمة ومصلحته التي تلعب في الساحات القذرةأ لتعطيل الإصلاح، والالتفاف على جوانبه المضيئة، وإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، وربما بقسوة أكثر تتخللها حملات تطهير وتصفيات بالجملة تطال الناس أجمعين.
مرة أخرى؛ على ربيع الثورات العربية أن يلتهم الفصول كلها، ويعيد إنتاج نفسه بما لا يسمح بأي إخفاقات أو أخطاء من شأنها أن تجعل اليباس ينتصر على اخضراره، بعد كل هذه التضحيات المؤلمة، وبعد أن تشكل الوعي الجديد، وصار يحمل معوله، وينهال على معنى الخراب بكل طاقته.
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .