أبواب

رحلة إلى إسبانيا

سالم حميد

بعد رحلة قصيرة إلى لندن، قررت التوقف قليلاً في مدريد، وهي المدينة الأوروبية الثانية المفضلة لديّ بعد أمستردام، إذ زرتها مسبقاً مرات عدة، ويستطيع السائح في الإمارات زيارة هذه المدينة مباشرة من دبي عبر «طيران الإمارات»، التي افتتحت خطاً مباشراً إلى مدريد في شهر أغسطس الماضي.

تعتبر ساحة «سول» مركز مدينة مدريد العريقة، بل إن هذه الساحة هي مركز الدولة الإسبانية وليس مدريد فحسب، وتجدها على مدى اليوم، ليلاً ونهاراً، مزدحمة بالناس من مختلف الأجناس والأعراق، وبالسياح من مختلف دول العالم، وتبقى هذه الساحة على صخب دائم حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي.

مدريد، عندما تزورها تشعر بمدى عراقتها وأصالتها، ويعود إلى الأمويين الفضل في تأسيس العاصمة الإسبانية الحالية التي يعود تاريخ تأسيسها إلى الأعوام ما بين 852 و886 ميلادية، عندما قرر أمير قرطبة محمد الأول بناء قصر له في منطقة مدريد التي كانت خالية من السكان من الأساس، ولكي تكون أيضاً نقطة انطلاق الجيوش الأموية نحو ممالك شمال شبه الجزيرة الأيبيرية، أما مدينة قرطبة فهي أكثر قدماً من مدريد، ويعود تاريخها إلى عام 138 هجرية، وتأسست على يد الأمير عبدالرحمن بن معاوية، المُلقب بعبدالرحمن الداخل، ثم استمر الرخاء العربي الإسلامي على مدى مئات من السنين، وتحديداً في الأعوام بين 316 و400 هجرية.

الإطلالة العربية الجميلة التي ورثها الإسبان اليوم من الحضارة العربية والحضارة الأمازيغية تسحر السائح، ولقد سحرتني مدينة قرطبة بالتراث العمراني الأندلسي الجميل، ولاتزال المباني الأندلسية محتفظة بجمالياتها العمرانية التقليدية القديمة، أما قصر قرطبة الذي يعود إلى الأعوام بين 350 و366 هجرية، فيعد أعظم مكتبة إسلامية، فهي تضم أكثر من نصف مليون مجلد وكتاب خلال تلك الفترة من الحكم العربي لإسبانيا، فخلال الفترة بين 833 و852 ميلادية قام الأمير عبدالرحمن الثاني بعمليات توسعة في مدينة قرطبة، وعندما تشاهد اليوم مسجد قرطبة الذي تحول بعد الانتصار الإسباني على المسلمين إلى كاتدرائية، يبهرك مدى براعة العمارة الأندلسية.

أما متحف قرطبة الجميل والبسيط، فيحتوي على مجسمات جميلة لأشهر أعمدة التنوير الأندلسي، مثل الفيلسوف الأندلسي الكبير ابن عربي، وابن رشد، وابن ميمون، وغيرهم من أعمدة الفكر والفلسفة الأندلسية، هذا إضافة إلى المقتنيات الجميلة التي تعود إلى العصر الأندلسي، مع العلم بأن هذا المتحف تم افتتاحه رسمياً في عام 1987م. ويعتبر المفكر القرطبي ابن زيدون أحد رواد علوم الأنثربولوجيا العرب، وله الفضل في وضع العديد من الدراسات الإنسانية التي تفتخر بها إسبانيا اليوم، إذ أسهم في وضع الكثير من المسميات للكائنات الحية في إسبانيا، وعموماً فإن الحركة الفكرية الأندلسية أسهمت على مدى مختلف العصور الإسلامية في الأندلس في إنعاش حركة الفكر والفلسفة واحترام العقل الإنساني.

ما يعيب الإسبان عموماً عدم إجادتهم اللغة الإنجليزية، إذ يصعب على السائح تدبير أدنى احتياجاته أو التمتع برحلته السياحية في هذا البلد إذا كان لا يجيد بعض الشيء من اللغة الإسبانية.

وللحديث بقية في الأسبوع المقبل.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر