أبواب

مدير ومخرج مسرحي

زياد العناني

ثمة دور بدأ يظهر جلياً في ساحات التغيير العربية، لم نكن نعلم أنه موجود من قبل، وهو دور مدير الأمن العام الذي صار مخرجاً مسرحياً يمكن له أن يفبرك مسرحية كبرى في سويعات، وينجح في وقف المسيرات والتظاهرات الاحتجاجية المطالبة بالإصلاح السياسي، ليس بفضل الأداء فقط، وإنما من خلال التأليف المستثمر للاستعمالات الاجتماعية للغة القائمة على أن «أمراضنا تتكلم»، بحسب نظرية فرويد الذي كان أول من أدرك أيضا أن المتكلم الحقيقي ليس هو الأنا أو الذات بل «الهو».

وتكمن أهمية الدور الجديد لمدير الأمن العام في استطاعته توظيف بعض القوى السياسية في المسرحية في شبه محاولة متفق عليها لتسديد الفواتير المتبادلة لمصلحة أطراف عدة تصب في مصلحة «الهو»، الذي يتحرك ويحرك الدمى بخيط واحد لا يرى بالعين المجردة، كشف لنا نسخته فرويد حين بيّن رمزية أخرى من نوع خاص، ألا وهي «تلك الرمزية النفسية اللاشعورية التي تعمل عملها من وراء ظهر الفرد، لأنها تتجلى من خلال ما ينساه ويسقط من حسابه، أكثر ما تتجلى، فيما قد يقوله أو ينطق به» وهي النسخ التي باتت واضحة في جملة أحداث وقعت في الساحات العربية، وأدت إلى تعرية بعض الأنظمة التي اضطرت إلى الكذب والاعتذار وتقديم القرابين الرخيصة لكي تداري على أفعالها المشينة.

لايزال الأمن في الوطن العربي يعتبر أن مسألة الإصلاح ضد الموالاة، وأن عليه تشكيل جبهة مضادة من الهراوات تستطيع فرض رأيها بكل طريقة ممكنة على الشعب المملوك للنظام، رغم أن الإصلاح يمكن أن يخدم النظام أكثر من الأمن، ويجنبه الأخطاء الكبرى، إضافة إلى سوء المصير.

وبناء على ما تقدم، يجب أن نتصارح، ونقول إنه لا يوجد ما يوحي بأن القمع سيتغير، وذلك لأن الحكومات مصرّة على اللجوء التام إلى العنف، وجرجرة الأمور إلى مدار الكارثة.

إن الهرب من الاستحقاق الذي يجب أن تدفعه الحكومات لا يعني أن الناس سيتحملون الإكراهات، وذلك لأن العصر لم يعد يجدد طاقتهم على تحمل الذل وتسويغ مبدأ الابتلاء، خصوصاً بعد أن طفح الكيل، ولم تقطع الحكومات دابر الأسئلة التي تتوجه نحو الفساد والتسلط والخراب الوطني بالشفافية، بدلاً من مصدات التضليل المتعمد، يضاف إلى ذلك أنها لم تعد تسيطر على عقول الناس عبر التخويف والتخوين والحرص على مفهوم الهوية والوطن والدولة، في محاولة منها لإغماض من ينوي مناوءة الخراب والوقوف في منتصف الطريق، بدلاً من مسابقة الزمن نحو الإصلاح، وتفكيك نظرية «البكس» الأمني بكل ما تحمله من سمعة سيئة دلت، ولاتزال تدل، على أن الدولة تعيش خارج القانون.

وأخيراً، من المتوقع جدا أن تلجأ بعض الحكومات في الأيام المقبلة إلى الفيلم السينمائي، وكذلك المسلسلات المتلفزة للتفريق بين الحق وأخيه، وبين الابن وابيه، وحماية مكتسباتها اللاشرعية مادامت قد نجحت في مسرح القسوة من خلال عروضها النابضة بالهراوات، والتي يمكن أن تتواصل في التجريب والتأصيل للوقوف في وجـه التحرر وغاياته التي يمكن أن تشق البئر، أو تكسر جرة السلطة على حائط الشعب الذي فقد قدرته على التحمل واستعذاب الألم.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر