يا جماعة الخير

إلى كل كذاب!

مصطفى عبدالعال

إذا سألته أين أنت؟ أجابك عن موضع غير موضعه! لماذا تأخرت؟ قص عليك قصة لا وجود ولا مبرر لها! وإذا طلبته: هل تحركت لموعدنا؟ أجابك أنا بالطريق، بينما يكون في غرفة نومه! تلك طبيعة بعض الأشخاص، كأن الصدق عنده لا داعي له! وقد تعلمنا صغاراً أن الكذاب يدخل النار،أ وكنا نتساءل حين يكذب كبير: هل هو لا يعلم أن الكذب حرام؟ ومع تخطينا مرحلة الطفولة وازدياد وعينا وفهمنا لمن حولنا أصبحنا نحترم الصادقين ونشعر بمدى الثقة بهم، وهزت قلوبنا قصة رجل طورد لقتله من لصوص، فلاذ برجل صالح يعمل في صناعة الخوص يسمى علياً الخوّاص، يستنجد به، فقال الخواص: ادخل خلف أعواد الخوص، فدخل، فلما وصل مطاردوه سألوا الشيخ عنه، فقال: هو هنا خلف الخوص، فظنوا الشيخ يوبخهم، فانصرفوا، فلما أمن الرجل خرج يعاتب الشيخ على قولته، فقال الشيخ: وهل نجاك إلا الصدق؟

إن وصف أهل مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته بالصادق الأمين كان ولايزال وساماً على صدر الفضيلة وإعلاناً تاريخياً على أن النفوس على اختلاف أخلاقياتها تحترم الصادقين وتأوي إليهم،ولا أدل على ذلك من ترك النبي عند هجرته من يرد الودائع لأهلها الذين استأمنوه عليها من غير المسلمين.

فهل يعي كل كذاب كم هو بالكذب صغير وفاقد لثقة الكبير والصغير؟

سمعنا قوله صلى الله عليه وسلم: «أنا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ في رَبَضِ الْجَنةِ (أطرافها) لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ (الجدل) وَإِنْ كان مُحِقا، وَبِبَيْتٍ في وَسَطِ الْجَنةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كان مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ في أَعْلَى الْجَنةِ لِمَنْ حَسنَ خُلُقَهُ (أصلح عيوبه)»، وقوله: «إِن الصدْقَ يَهْدِى إِلَى الْبِر، وَإِن الرجُلَ لَيَصْدُقُ حَتى يَكُونَ صِديقًا، وَإِن الْكَذِبَ يَهْدِى إِلَى الْفُجُور، وَإِن الرجُلَ لَيَكْذِبُ حَتى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ كَذابًا». (رواه البخاري). فهل كلما تحدث الكذاب - فخراً أو تضليلاً أو هروباً أو جبناً - حاول أن يراجع نفسه ليحسن خلقه؟

الصادق لا يعد إلا بما يعلم أنه قادر على الوفاء به، ولا يقول إلا ما هو قادر على المواجهة به، ويحترم نفسه من أن يكون منافقاً متلوناً! علام هذا؟ إذا قلت لا تخف. وإذا خفت لا تقل، وإلا كنت - سامحني - منافقاً جباناً. أتحب أن تعرف بهذا؟

وهل تعتقد أنك إذا لم تسمعها أنك سلمت منها وصفاً وذكراً وتعريفاً؟

ليس في دين العقلاء كذب أبيض وكذب أسود، إن العقول تقرأ والأرواح تشعر والله عز وجل يلقي حقيقتك في قلوب الآخرين. وهل من كُتب عند الله كذاباً يفرح بادعاء الناس أمامه أنه من الصادقين؟

نعم، إذا خشيت أن يترتب على صدقكأ ضرر أو نشر فتنة فلا تتكلم إلا إذا ترتب عليه ضياع حق أو ظلم بريء،لكن عليك بالصمت لا الكذب، وإلا فاحذر وأنت تقرأ في القرآن أو تسمع: {وَلَقَدْ فَتَنا الذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَن اللهُ الذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَن الْكَاذِبِينَ}. (العنكبوت: 3).

المستشار التربوي لبرنامج « وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر