أبواب

هل استراح الشمال الآن؟

سالم حميد

في 25 مايو 1969 قام جعفر النميري بانقلاب، واستولى على السلطة في السودان لمدة 16 سنة ونيف، وكان قد خطط للانقلاب مسبقاً بإنشاء تنظيم الضباط الأحرار بهدف التغيير داخل الجيش، ثم أعلن الحرب على الشيوعيين وكل ما له علاقة بالشيوعية في السودان بسبب محاولة مجموعة من الضباط الشيوعيين استرداد الحكم عام ،1971 ونفذ في بعضهم أحكاماً بالإعدام، ولكن المحاولات الانقلابية ضد النميري لم تتوقف، بلغت ذروتها عام 1973 وردّ عليها النميري باستخدام الطائرات لدكّ خصومه، وسحق محاولة انقلابية أخرى عام ،1976 حتى المفكرين لم يسلموا من بطشه، إذ قام بإعدام المفكر السوداني محمود محمد طه عام 1977 بحجة أن أفكاره أفكار كافر زنديق، فمن هو النميري ليكفر من يشاء؟ ثم أعلن الحرب على الكحول وأغلق الخمارات وأمر بسكب آلاف زجاجات الخمور في مياه النيل، فأطلق حينها السودانيون النكات على النميري بأنه تسبب في إصابة الأسماك بالسكر حتى الثمالة! وقام أيضاً، بالتعاون مع الولايات المتحدة، بإهداء إسرائيل اليهود السودانيين في عملية شهيرة تحت اسم «بساط الريح». أما الجنوب، فقد قام بتقسيمه إلى ثلاثة أقاليم، وفرض بالاشتراك مع حسن الترابي، الشريعة الإسلامية على مسيحيي الجنوب!

جون قرنق، سوداني وطني مناضل، لم يفكر مطلقاً في الانفصال، بل الفيدرالية، ولكن الاضطهاد العنصري من قبل حكومة الشمال دفعه إلى حمل السلاح، فهو العقيد السوداني الذي ارسلته الخرطوم يوم 16 أبريل 1983 لإخماد تمرد الجنوب، فقام بعمل معاكس، وأعلن انضمامه إلى حركة التمرد؛ ما أدى إلى اندلاع الحرب السودانية، فما أبشع أن يتعرض الإنسان للاضطهاد بسبب لونه أو جنسه أو دينه، فالترابي، ومن والاه، أسهموا في تجويع الشعب وإفقاره حتى تسهل مهمة شراء الذمم، وخلق طبقة رأسمالية، وتدمير الاقتصاد الوطني والعملة المحلية، وهجرة مئات الألوف من الكفاءات السودانية إلى الخارج، ونُهبت خيرات البلاد، وتم إرسال الأطفال إلى جبهات القتال، وفوق ذلك الغلاء والمجاعة والفقر، واستجلاب المتطرفين بأسلحتهم لضرب وجلد وتخويف المدنيين باسم الدين.

لقد تسببت بريطانيا بشكل مباشر في انفصال جنوب السودان منذ عقود، وكذلك من جاء بعد بريطانيا من السودانيين الشماليين تسببوا أيضاً في خسارة السودان لثلث مساحته اليوم، فبريطانيا في المجال التعليمي مثلاً، لم تطور الجنوب إلى المستوى نفسه في الشمال، ووضعت القوانين بمنع الشماليين من دخول الجنوب إلا بإذن بريطاني، ثم أوهموا الجنوبيين أن تلك مسؤولية الشماليين! وهذا ليس بالشيء الغريب على واضعة نظرية «فرّق تسد»، وصاحبة تاريخ استعماري ظالم أسود، والتي اثارت دعوات انفصال الجنوب، وقامت باستقطاب نخبة من مثقفي الجنوب عام 1947 لدعم الحركة الانفصالية، ولكن المثقفين الجنوبيين كانوا أكثر وعياً، ورفضوا الانسلاخ عن الوطن الأم، ومع ذلك وقعت الحرب الأهلية بسبب أخطاء الحكومات الشمالية المتعاقبة التي لم تنصف الجنوبيين وتعاملت معهم بدونية، فقام قرنق بطرح حل فكري بفصل الدين عن الدولة، وتوزيع الثروة الوطنية بعدل وتطوير الجنوب ومناطق الأقليات بمستوى تطور الشمال، وتحديد الهوية بأنهم سودانيون، لا قبلية لا عربية لا إفريقية، من دون عنصرية، دولة علمانية، ولكن الشمال رفض، فدفع الثمن اليوم بخسارة ثلث مساحته.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر