أقول لكم

محمد يوسف

كلنا يتعاطف مع المكلوم والمظلوم، ويحزننا منظر تلك الأم الواقفة في ميدان التحرير بالقاهرة وهي تحمل صورة ابنها الذي ذهب غدراً برصاصة أو هراوة، وتسأل عن حقها الذي كاد يضيع، لكننا لا يمكن أن نصدر أحكاماً على أحد ونحن نجلس خلف شاشات التلفزيون، ولا يملك «شباب الثورة» أو «المعتصمون في الميدان» أو «راكبو الموجة» أو «الباحثون عن أدوار جديدة»، كل هؤلاء لا يملكون حق تعليق المشانق ليعلقوا عليها كل من تحوم حوله الشبهات!

قلت ذلك لمحدثي من القاهرة، وقد كان متحمساً جداً، ينادي بالحقوق المسلوبة، ويطالب بتوفير العدالة، وبمعاقبة كل الذين شاركوا في قتل الشهداء خلال يناير وأحداثه المتداخلة، وبعزل القضاة الذين حكموا ببراءة بعض الضباط، ومحاسبة النائب العام، لأنه لم يقدم ما يكفي من الأدلة ضدهم، ويساوي بين مُصدر الأوامر ومنفذها، ويستشهد كثيراً بأقوال فلان وعلان في الفضائيات المصرية.

قلت له إن القاضي يحكم بالأدلة والبراهين، وأخواتنا وإخواننا في البرامج الحوارية التلفزيونية يتبعون اتجاه الريح، ويحركهم التيار العاطفي الجارف، لهذا نراهم ينصبون جلسات إدانة كأنهم قضاة في محاكم استثنائية طلب منها أن تتبع الأهواء، أصبح الصحافي قاضياً، وأصبح الطبيب مدعياً عاماً، وأصبح رجل الشارع جلاداً، وتحولتم إلى طغاة وأنتم كنتم تشكون من الطغاة، تريدون أن تروا السيوف مسلطة على رقاب الآخرين استناداً إلى روايات مرسلة وأقاويل غير مثبتة، لم يعجبكم النائب العام وتريدون استبداله لأنه لم يلفق الأدلة ضد المتهمين، تعاقبونه لأنه لم ينجرف خلف الرغبات، وتمسون القضاء لأنه حكم بما تطمئن إليه عقيدته القائمة على ترسيخ العدل. إن العدالة لا تمليها مذيعة منتصف الليل أو ما قبله، لأنها تريد أن تطمس دورها السابق، ولا تتساوى كفتاها - أي العدالة - بالشبهات، ورجال القانون الذين تسمعونهم خانوا الأمانة، لأنهم يخوضون في ما لا يعلمون، فكيف يصدر هذا القاضي السابق أو المحامي المشهور أو أستاذ القانون حكماً على الهواء مباشرة من دون ملف للقضية؟!

قلت له: يا صاحبي أنتم تريدون عدالة الأفراد، وعدالة الأفراد ظالمة ومنحازة ومدمرة.

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر