أقول لكم

محمد يوسف

اقتطع جزء من الجسد، تشاركت كثير من الأيدي في بتره، ومطلوب منا أن نبتسم، وأن نهنئ، وأن نبارك، بل سأحزن، وأحزن، وأحزن، ولن أبارك أبداً، في هذه القضية مشاعري هي الحكم، من دون التزامات مني لأحد، لأنني لا أمثل غير نفسي، وليفهم كلامي كما يراد له، المهم أنني أعرف ماذا أقول، ولماذا أقول ذلك، والله لو كانت حبة تراب من أرض أمتي هي التي مست سأبكيها، فكيف بملايين الكيلومترات تختطف هكذا في غمضة عين، بالأمس كانت شيئاً مني، واليوم هي بعيدة عني.

لا أتحدث عن عداء، ولا عن تبدل ولاء، ولا أقترب من خط الانتماء، وأمقت كل تلميح يشير إلى العرق، وأعلم علم اليقين بأن العنصرية وباء، أتحدث عن انسلاخ جنوب السودان، عن أرض كانت حتى الدقيقة الأولى من يوم أمس ضمن حدودنا، مرسومة في خرائطنا، واليوم علينا أن نعيد رسم طريقنا، وأن نأخذ قلماً ومسطرة، أن نمسح ذلك الجزء من تاريخنا، عن ذلك أتحدث، سواء كان الجنوب السوداني إفريقياً أم مسيحياً، أم وثنياً، لا يهم، فأكثر من نصف أمتي ينتمي إلى إفريقيا، وأكثر من نصف إفريقيا كان حتى القريب يتحدث العربية، ومازال يدين بالإسلام، وثلث سكان جنوب السودان يدينون بالإسلام، عن ذلك أتحدث، ولا أتطرق إلى دسائس إسرائيل، ولا مؤامرات الغرب، بل عن الذين أضاعوا جنوب السودان.

هل يمكن أن يكونوا سعداء؟ أولئك الأشخاص الذين دفعوا الجنوب إلى الانفصال، هل هم سعداء اليوم؟ في أحيان كثيرة أراهم كذلك، وقد كان آخر نقاش لي مع أتباعهم في ديسمبر الماضي، قبل شهر أو أقل قليلاً من الاستفتاء على الوحدة أو الانفصال، يومها قالوا إنهم مطمئنون، ونحن لم نكن كذلك، فهل كانوا غافلين؟ لا، هم فعلاً كانوا مطمئنين، فهم الذين كانوا يريدون للجنوب أن ينفصل، وأن يبتعد قدر الإمكان، حتى تثبت الكراسي المهزوزة، وقد صار ما صار، انسلخ جزء من جسد الأمة، لكن الكراسي لن تثبت، فالأمانة قد نقصت، ومن تنقص الأمانة التي وضعت بين يديه يُسأل عنها، وغداً سنسأل جميعاً لماذا بتر جنوب السودان؟ ولماذا ضاع؟

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر