يا جماعة الخير

مَن يغتاب مَن؟

مصطفى عبدالعال

جماعة الخير، رد الشيخ صالح الفوزان، وغيره كثير، على سؤالٍ عن غيبة الفاسق فقال باختصار: الفاسق هو الذي يرتكب كبيرة من كبائر الذنوب، كالزنا والسرقة وشرب الخمر دون الشرك، ولا تجوز غيبته، فالغيبة محرمة، لكن إذا كان من باب شكايته إلى ولي الأمر لأجل الأخذ على يده، ورد المظالم إلى أهلها فلا بأس، أما غيبته في المجالس من دون فائدة لا تجوز {ولا يغتب بعضكم بعضا}، (الحجرات: 12). هذا عام، إنما يجوز للمظلوم أن يشكو ظالمه عند القاضي للوصول إلى حقه، كذلك المسؤول الأمني يجب عليه أن يبلغ عن أصحاب الجرائم للأخذ على أيديهم، وتطهير المجتمع من شرهم، فإذا كانت الغيبة لمصلحة راجحة فلا بأس، أما إذا كانت لغير مصلحة أو مصلحةٍ قليلة فإنها باقية على التحريم ولا تجوز، ولا فائدة فيها، إذا تكلمت عن فلان في المجالس فماذا ينتج عن هذا؟ هل سيؤخذ على يده؟ هل سيُمنع؟

وفي مقال سابق بعنوان «أعطني ثواب صلاتك لو سمحت»، ذكرت أن العلماء بينوا الأمر فقالوا :

الذم ليس بغَيّـبةٍ في سـتةٍ         مُتَظَـلمٍ ومُعَـرِفٍ ومُحَـذرِ

ولمُظهِرٍ فسقا ومُستَفتٍ ومَن     طَلَبَ الإعانةَ في إِزالة مُنـكَرِ

وقيدوا الأمر حتى يحكم الإنسان نفسه وإلا ضاعت حسناته بالغيبة وفقد بين الناس الهيبة، والعاقل يدرك جيداً أن من لا يراقب لسانه يؤذي نفسه قبل غيره، ويكفي أن يسمع المؤمن قول ربه {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد}، (ق: 18)

عند التظلم: لا يحل لك الكلام عن خصمك إلا بين يدي القاضي أو الجهة التي تملك الفصل بينكما.

وعند التعريف لشخص أعرج أو قصير لا تُعرفه أبدا بما يكره، فلمّا قالت أم المؤمنين عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مداعبةً: حسبك من حَفصَةَ (أم المؤمنين) قِصَرُها! غضب، فقالت: هل اغتبتها يا رسول الله؟ قال: نعم. قالت: وإن كان فيها؟ قال: إن كان فيها فهي الغيبة، وإن لم يكن فهو البهتان - أي أفظع - فهو اتهام بالباطل.

وإن كنت مُحَذراً غيرك من فاسق ففي حدود الشخص الذي تحذره وأن يكون لوجه الله، ولا تقع في سب ولا قذف وإلا عليك بالبينة.

وإن كنت تستفتي أهل العلم ومضطراً لتوضيح خطأ ما فبقدر ما تحتاج الفتوى دون تجريح ولا تشويه، وأهل الفضل يعممون، كأن تقول: لي صديق يشكو أن امرأته تفعل كذا، والزوجة العفيفة لا تذكر زوجها بسوء وإنما تعمم.

وقبل كل ذلك لا ينطق الإنسان أبداً إلا بما رأت عينه أو سمعت أذنه {ولا تَقْفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً}، (الإسراء: 36)

ولو سُئلت عن خاطب أو مخطوبة وتعرف عدم الصلاحية فقل لا أنصحك، أما لماذا فإن الله حليم ستار، نريد مجتمعاً عف اللسان والعين تذكر فيه المحاسن لتنتشر وتستر العيوب لتندثر، وتلك وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم: أَمْسِكْ عليك لسانَك، وليَسَعكَ بيتُك، وابكِ على خطيئَتِك.

المستشار التربوي لبرنامج « وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر