أقول لكم

محمد يوسف

بقدر ما يتضخم الكبير تتضخم المجموعة المضادة له، إنها سنة الحياة، في قصص الرومان والفرس ورد ذكر المؤامرات، وفي عصور الدول الإسلامية المختلفة رويت حكايات تصفية أجنحة لأجنحة أخرى من البطانات ودوائر النفوذ، أسماء تلمع، وتسجل لها إنجازات في صفحات التاريخ، ثم تختفي في لحظة غدر أو بُغض من الذين صنعوها، تتبدل النفوس، وتتغير المواقف، مثلها مثل البحر، هذه طبيعة النفس البشرية، في لحظة هي ساكنة وهادئة، وفي لحظة أخرى هائجة مائجة تتلاطم أمواجها، في حالة المد سخية معطاءة، وفي حالة الجزر سالبة للأموال والحياة، ويذهب الشر بالخير، ويؤخذ البريء بالمذنب، ويعم القصاص، لأنها هزيمة وانتصار، المهزوم يتحمل نتيجة انكساره، والمنتصر يتلذذ بطعم فوزه وعلوه، والمحظوظ هو الذي يسلم بحياته في مكان بعيد ليقضي ما بقي له من عمر، أو أن يكمل عمره في غياهب السجن، وهذه صورة حديثة تعرض علينا يومياً عن هؤلاء الذين سقطوا في الآونة الأخيرة، إنهم الأشخاص أنفسهم الذين كانوا في هذا الوقت من العام الماضي يستبيحون كل شيء، الأموال والذمم والأعراض والحرمات، أما اليوم فهم يقفون خلف القضبان، يسمعون الأحكام الصادرة بحقهم، ويرون الوجوه التي حولهم فرحة ومستبشرة بغد أفضل، لأنهم في السجن يتفاءل الآخرون، يا سبحان الله، هو مغير الأحوال من حال إلى حال، أحدهم يتلمس حديد القفص الذي يجلس فيه، يتأكد من جودته، فهو من إنتاج مصانعه التي كانت ذات يوم ملكاً للدولة والناس، فأصبحت له، وصار هو سيد الحديد ومحتكره، والآخر الذي يركب «البوكس» الأزرق، محاطاً بفرقة حراسة مدججة بالسلاح، لتحرسه حتى لا يهرب، بوده لو أنه مازال هو الذي يسير هؤلاء جميعاً ليعذبوا الناس، ويبطشوا بأمانيهم، وتتردد على مسامعه «كله تمام»، كأنها مازالت تقال له، هؤلاء كانوا كباراً، وكانت أفعالهم أيضاً كبيرة، ومثلها كانت سقطتهم، وقد تكون نهايتهم!

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر