أبواب

عين ثالثة

زياد العناني

نسمع عن سوء استخدام السلطة بعد أن تتكشف فضيحة ما، كأن السلطة في العديد من البلدان العربية تستخدم بعكس السوء أحياناً، إلى الحد الذي بتنا لا نفرق فيه بين رجل الدولة أو صاحب المصرف العائلي، بعد تصاهر المالي مع السياسي، نسمع بحزن وربما بخجل عن قائم بالولاية العامة لا يتورع عن توريط بلاده في صفقة تربك اقتصادها لعقود، وهو مرتاح الضمير، ويجد من يحميه ويغطي صفحته الطافحة بالجرائم القانونية والسياسة والجنائية، ليعود إلى ممارسة الدور نفسه في ظل الغياب التام للبعد المؤسسي في الفضاء العمومي للدولة ورقابتها العاجزة عن وقف طغيان الوكلاء الذين يعرفون البنوك أكثر من معرفة الرعية، ويودعون المال برقم سريّ لا يحتاج إلى اسم أو تحديد مصدر يمكن أن يتابع، خصوصاً أن القوانين تختلف من بلد إلى آخر.

كل هذا يحدث، والطريف أنه يحدث في بلدان ينهار اقتصادها كل ستة أشهر مرة، ويقف على أقدامة ستة أشهر أخرى بفعل المساعدات الخارجية لا غير. بمرارة تامة بتنا نجد أن الفاعل الرسمي ونائبه خارج الدائرة القانونية، سواء كانت هناك أدلة تلبس ثوب كفايتها، أو ظلت هذه الأدلة تتلوى في منطقة الظنين، وذلك لأن الشعب هو المذنب الوحيد في الكثير من البلدان العربية، وعليه تقع مسؤولية الفساد وتبعاته التي كوفئ بها على امتداد عقود من اللصوصية والهدر الجائر لموارده التي وصلت إلى حدود الفقر والعجز وغرفة الانعاش.

ثمة شخص واحد في أغلب الأحيان يقبض على السلطات الثلاث ويحشرها في ثكنة واحدة، ليس لها كوة تطل على المجتمع المدني، ومن المستبعد كثيراً أن يقبل بغير الصلاحيات المطلقة ومناعتها غير المخترقة والضالعة بقوة في كل خراب، لا أحد يحمل كلفته أو يعترف بحدوثه في ظل السياسات المتغولة والمتردية.

كل شيء في بعض الدول العربية صار يدار عبر سوء استخدام السلطة، وهذا الكلام لايخلو من الصدقية، بحسب ما وصلنا إليه من تعثر في القطاع العام، وكذلك الخاص، مقارنة بما وصلت إليه الدول المتحضرة التي تتمتع بدرجة عالية من الشفافية المحاطة بهيبة القضاء، والبعيدة عن الاستخفاف، التي قدر لها أن تفهم وتتفهم المغزى الذي انطوت عليه مقولة ونستون تشرشل «سر الحقيقة ليس أن نفعل ما نحب، بل أن نحب ما نفعل».

هناك ما يشبه الذبحة الوطنية نعيشه الآن وعلى خرائط متعددة. هناك يأس وتراشق بالبيض الفاسد، وهناك أوطان تباع قطعة قطعة، وهناك مؤسسات تخرج بمالها خارج الميزانية، والطريف أن كل هذا يتم تحت بند المصلحة العامة التي يجري تزويرها والنطق باسمها في تبرئة كل صفقة مشبوهة يمكن أن تنقلب برفع دعوة مضادة باغتيال الشخصية يربحها المختلس في حينه، ويساق المتنطح للفساد إلى السجن مخفوراً. معظم الدول العربية نحتاج إلى حكومة ظلّ تتكون بجانب كل حكومة، كما تحتاج أيضاً إلى عين ثالثة يتفق على وجودها السياسيون وقادة الرأي والمعارضة ومراكز الدراسات والجهات الرقابية المستقلة، ومعهم مجلس النواب، لكي تتمكن من تطبيق «رقابة صارمة على موارد الدولة وأوجه الإنفاق الحكومي»، وتفرض أجواء تحتمل وجود شفافية غير مظهرية، تستطيع حصر الموازنة العامة والاطلاع عبر كل المؤشرات على حسن وسوء استغلالها على حد سواء.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر