أقول لكم

محمد يوسف

هناك كبار لا يقعون نتيجة مؤامرة من أطراف أخرى، بل تسقطهم تصرفاتهم، خصوصاً أولئك الذين تصنعهم المصادفة، وهم كثر، بل إن أغلبهم، كما يقال، يكونون نتاجاً للحظة مناسبة في مكان مناسب وظرف مناسب، فتنتج عن الحالات الثلاث المناسبة «فقاعة» تنتفخ فتكبر وتكبر، فإما أن تطير عالياً وتتسيد، وإما أن تنفجر وتتفتت.

وفي الآونة الأخيرة شهدنا كباراً يتساقطون، فيهم رؤساء كان ذكر أسمائهم من دون تبجيل وصفات عظمى مصيبة يتحملها القائل ومن يتبعه، وفيهم أشخاص جمعوا بين أيديهم من المال والثروات المنهوبة ما لا يعد ولا يحصى، وفيهم «سادة» ذهبوا إلى السلطة الفاعلة ليحكموا قبضاتهم على كل شيء، هذا الحراك المسمى الربيع العربي كان خريفاً شديد القسوة على الكبار، تناثروا، في تونس ومصر وليبيا، وقد رأيت مساكن الأسماء الكبيرة جداً في تونس، التي ما كان مسموحاً لأحد بالعمل من دون أن يشاركها، وهم الأصهار والأنسباء، فإذا بتلك المساكن أطلال يكاد المرء يجزم بأنها من آثار حقب قديمة، رأيت بعض الجدران لاتزال واقفة لتكون شاهدة فقط، بينما الأبواب والنوافذ نزعت، والأشجار اقتلعت، ومعها النوافير من الحدائق الغناء، وحتى التمديدات الكهربائية أخرجت من أحشاء البناء، ورأينا أغلالاً في أيدي الذين كانوا إذا مشوا على أرض مصر ارتجت رعباً من جبروتهم، وتابعنا المطاردة الدولية لذلك الاسم المخيف، وكيف سقط في إسبانيا، بعد رحلة تخف شملت قارات العالم، وتذكرنا هذا الاسم جيداً، وصدقنا بأن الأسماء الكبيرة لا تكون نظيفة دوماً، وأن بائعي الذمم قد يكونون كباراً ذات يوم، إذا توافرت لهم البيئة التي تنمي قدراتهم!

الطمع، ثم الجشع، مضافاً إليهما الغرور، وبعد كل ذلك عدم الاستفادة من دروس التاريخ، أو حتى التعلم من طبيعة الأشياء، تركوا أنفسهم أسيرة الذات المستكبرة، واعتقدوا أنهم يمكن أن يوقفوا حركة الحياة الطبيعية، وأن يجمدوها، وأن يستمروا إلى الأبد كباراً لأنهم كانوا موجودين في الوقت والظرف والمكان المناسب.

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر