يا جماعة الخير

لـَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بـِثَوْبِكَ!

مصطفى عبدالعال

إلى الذين يطيب لهم سوء الظن بالناس والبحث عن عيوب فيهم، أو التطوع بتأليفها، ويعتقدون أنهم يحذرون الناس باسم الفضيلة، ويتخصصون في نقل الشائعات وترويجها، وذبح الأبرياء أو حتى المخطئين، إليهم قصة حديث رواه الإمام أحمد في مسنده «عن ابْن نُعَيْمِ بْنِ هَزالٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فِي حِجْرِ أَبِي (ولايته)، فَأَصَابَ جَارِيَةً مِنَ الْحَي فَقَالَ لَهُ أَبِي: ائْتِ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- فَأَخْبِرْهُ بِمَا صَنَعْتَ لَعَلهُ يَسْتَغْفِرُ لَكَ.. رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَخْرَجٌ فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنى زَنَيْتُ فَأَقِمْ عَلَي كِتَابَ اللهِ. فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُم أَتَاهُ الثانِيَةَ والثالِثَةَ والرابِعَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنكَ قَدْ قُلْتَهَا أَرْبَعَ مَراتٍ فَبِمَنْ». وأخذ يراجعه حتى قَالَ هَلْ جَامَعْتَهَا؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ: فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُرْجَمَ، فَلَما رُجِمَ فَوَجَدَ مَس الْحِجَارَةِ جَزَعَ فَخَرَجَ يَشْتَد فَلَقِيَهُ عَبْدُاللهِ بْنُ أُنَيْسٍ وَقَدْ أَعْجَزَ أَصْحَابَهُ فَنَزَعَ لَهُ بِوَظِيفِ بَعِيرٍ (خف البعير) فَرَمَاهُ بِهِ فَقَتَلَهُ - قَالَ - ثُم أَتَى النبِي - صلى الله عليه وسلم - فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ «هَلا تَرَكْتُمُوهُ لَعَلهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ». قَالَ هَزالٍ: إن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَبِي حِينَ رَآهُ «وَاللهِ يَا هَزالُ لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْراً مِما صَنَعْتَ بِه».

الغيبة والوشاية والنميمة وتجريح الناس أمراض اجتماعية قد تدمر أُسراً وتُخربُ بيوتاً، أفعالٌ يعف عنها أهل الضمائر الحية فضلا عن النوازع الفطرية السليمة التي يزكيها الدين وتتفق مع مكارم الأخلاق، ويكفي أن الشرع حين حكم بجلد الزاني غير المتزوج مئة جلده فإنه حكم بجلد من يقذف أحداً في عرضه ثمانين جلدة، حتى لو رأى بأم عينه، إلا أن يراهما أربعةٌ بأعينهم فيقرون أمام القاضي، أما لو أن ثلاثة رأوا وتكلموا فإنهم يُجلدون بحد القذف، وذلك لستر العورات، وعدم تداول ذكر المنكر وفتح أعين الشباب وغيرهم على من قد تكون بريئة أو حتى مخطئة فيزداد الخطأ وتشيع الفاحشة، وكذلك في مجال اتهام الناس في ذممهم وتشويه صورهم، فليستمع هؤلاء:«واللهِ يَا هَزالُ لَوْ كُنْتَ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْراً مِما صَنَعْتَ»، وهذا قد رأى بعينيه، والجاني أقر! وصدق الله: {إِن الذِينَ يُحِبونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدنْيَا وَالآَخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} النور«19».

ولنستكمل من حديث أبي داوود: «..لما رُجِمَ ماعز سَمِعَ النبِى - صلى الله عليه وسلم- رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: انْظُرْ إِلَى هَذَا الذِي سَتَرَ اللهُ عَلَيْهِ فَلَمْ تَدَعْهُ نَفْسُهُ حَتى رُجِمَ رَجْمَ الْكَلْبِ. فَسَكَتَ عَنْهُمَا ثُم سَارَ سَاعَةً حَتى مَر بِجِيفَةِ حِمَارٍ شَائِلٍ بِرِجْلِهِ (منتفخ حتى ارتفعت رجلاه) فَقَالَ «أَيْنَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ». فَقَالاَ: نَحْنُ ذَانِ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ «انْزِلاَ فَكُلاَ مِنْ جِيفَةِ هَذَا الْحِمَارِ». فَقَالاَ يَا نَبِي اللهِ مَنْ يَأْكُلُ مِنْ هَذَا؟ قَالَ «فَمَا نِلْتُمَا مِنْ عِرْضِ أَخِيكُمَا آنِفًا أَشَد مِنْ أَكْلٍ مِنْهُ، وَالذِى نَفْسِي بِيَدِهِ إِنهُ الآنَ لَفِي أَنْهَارِ الْجَنةِ يَنْغمِسُ فِيهَا».

المستشار التربوي لبرنامج « وطني»

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر