كل جمعة

السمّ بوصفه علاجاً

باسل رفايعة

لو لم تغزُ الولايات المتحدة العراق في ،2003 لكان نظام صدام حسين لايزال قائماً بثبات الأصنام وجمودها، لا تهزها ريح، ولا تجرؤ عليها فأس. كان نظاماً بوليسياً متوحشاً لا مثيل له، ولم يكن من سبيل للخلاص منه شعبياً، بعدما أقام جيوشاً وعصابات داخلية لترهيب الناس وقتلها وتشريدها، ومثل ذلك النظام لا ينفع معه لا ربيع عربي، ولا ما يحزنون، فمشهد آلاف القتلى من البشر في حلبجة وحدها كفيل بالردّ على من عارض إسقاط صدام بقوة خارجية.

الحقيقة المرة أن العراق تعرض لغزو واحتلال واستباحة، سيظل يعاني تبعاتها سنين مقبلة، ولكن الأمور تبدو بعد أكثر من ثمانية أعوام، وعلى سوئها، أفضل من عهد صدام، فهو كان سيظل في الحكم إلى آخر رمق في حياته، وسيخلفه إما عديّ أو قصي، ويتوارث أبناؤهما البطش، بحيث يترحّم الناس على أيام صدام.

مات صدام، لكن نموذج الطاغية لايزال حيّاً يُرزق، ويمارس جرائمه أمام الكاميرات، ويراها الناس في كل مكان، والأهم ما يتوالى من دروس وعبر للشعوب التي لم يراودها الخيال بحجم هذه البشاعة والفظاعة من عصابات كانت على رأس دول، ولها سفارات في العالم، وفجأة لم تجد رداً على دعوات شعوبها بالحرية والكرامة سوى القتل والتعذيب واغتصاب الأطفال والنساء.

الشعبان التونسي والمصري أسقطا نظاميهما، ويستعدان لمرحلتين جديدتين، ولابدّ من ثمن، ومن يستعجل التغيير فيهما بضيق بال وأفق، يتمنَ ضمناً أن يفشلا ليجزم بشماتة أن الماضي كان أفضل، وأن الربيع المزهر ليس سوى خريف شاحب، لكن الثورات الشعبية ليست كلها تونسية ومصرية، فما حدث في ليبيا، كان يلزمه تدخل خارجي، لإنقاذ شعب كامل من زعيم معتوه، لم يتورع عن إرسال مرتزقة إلى مدن وبلدات ليبية لاقتحام البيوت وارتكاب فظائع تفوق الخيال.

في ليبيا، وفي بلدان أخرى، لابدّ من التدخل الخارجي، وحين يجتمع معارضون في أي عاصمة أوروبية لرفض التدخل الأجنبي يقدمون خدمات بطولية للأنظمة القمعية التي تقتل الأطفال، ويطأ جنودها على رؤوس الناس، ويعذبون الأطفال حتى الموت، ويشردون الناس من بيوتهم.

الشعوب التي تخرج بأيديها الفارغة إلى الشوارع طلباً للحرية لن تستطيع تغيير أنظمة تمتلك جيوشاً لم تُختبر في معارك مع العدو، بل إنها ليست مهيّأة سوى لمعارك مع الناس، حيث يسهل على الدبابات تمشيط القرى والبلدات وقتل المارة وقصف البيوت، عوضاً عن مواجهة العدو الحقيقي.

لا حلّ للشعوب التي تموت من دون ذنب سوى مطالبتها بأن تُحترم إنسانيتها، إلا بتدخل خارجي. فلا يفلّ الحديد إلا الحديد، فطائرات القذافي لم تعد تحلق وتقصف مصراتة وبنغازي، منذ أن سيطرت طائرات حلف الناتو على أجواء ليبيا، والأمور بدأت تسير لمصلحة الثوار، بفضل الدعم العسكري الغربي لهم، وإذا ما تكرر هذا النموذج، فإن ثقافة البطش والقمع في طبعتها العربية تكون قد تلقت ضربة قاضية كانت تستحقها منذ عقود، وفي ذلك عظة لكل من لايزال معجباً بصدام حسين ومعمر القذافي وسائر نسخهما المشوهة.

التدخل الخارجي ليس حلاً سيئاً دائماً، وربما يشبه السمّ، الذي لابدّ منه لعلاج الحالات المستعصية.

baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر