أبواب

حديث في الأسطورة

سالم حميد

سنأخذ اليوم استراحة، ونتحدث في الأدب والفن، بعد أن تناولنا في الأسابيع القليلة الماضية موضوعات فرضتها الساحتين المحلية والإقليمية. شاهدت قبل بضعة أسابيع الجزء الرابع من فيلم « قراصنة الكاريبي »، وعلى الرغم من أنه لم يعجبني إلا أنني فرحت للاعتراف الذي حصل عليه مؤلفه الأصلي الروائي الأميركي تيم باورز، الذي قامت شركة « ديزني » بالاستيلاء على رواياته وإعادة كتابتها وفق رؤية سينمائية، ثم حولتها إلى أفلام سينمائية من دون استئذانه. وفعلتها في الأجزاء الأول والثاني والثالث، ولم يقم المؤلف الأصلي برفع قضية ضد شركة « ديزني » المنتجة للفيلم إيماناً منه بالحلول الودية. وبالفعل، اعترفت « ديزني » العام الماضي بأن سلسلة « قراصنة الكاريبي » مبنية على روايات كتبها تيم باورز، وأجلسته بجانب بطل الفيلم جوني ديب في المؤتمر الصحافي قبل البدء في تصوير الجزء الرابع من سلسلة « قراصنة الكاريبي »، ثم قدمت اليه تعويضا مقداره 50 ألف دولار فقط، وتم ذكر اسمه للمرة الأولى في الجزء الرابع من السلسلة، مع العلم أن عدداً من الروائيين الأميركيين انتقدوا تيم باورز على قبوله هذا المبلغ الزهيد، لأن كُتاب السيناريو لأفلام من هذه النوعية يتقاضون مبالغ لا تقل عن ثلاثة ملايين دولار. ولكن باورز كان راضياً، وهذا الكلام لم أنقله عن أي أحد، بل من تيم باورز نفسه، ثم نصحني وقال لي بالحرف « لا تطلب من أي كاتب، سواء كان كبيراً ومعروفاً أو صغيراً أو هاوياً، أن يحكم على كتاباتك، بل دع الأمر إلى القراء ليحكموا على نتاجك، فرأي القراء، على الرغم من عدم اختصاصهم، أصدق من رأي الكتّاب».

ما لم يعجبني في الجزء الرابع من سلسلة « قراصنة الكاريبي »، أنه تم استخدام قصص مستهلكة لم يُحسن توظيفها، فما الجديد من إعادة سرد حوريات البحر أو ينبوع الحياة؟! وعلى الرغم من أن أسطورة حورية البحر تعود إلى العام 1000 ق.م. وهي آشورية الأصل، تم تناولها لاحقاً على نحو أوسع في الثقافة الإغريقية، إلا أنها حققت انتشارا واسعا، ليس مقصوراً على الآداب فقط، بل كان انتشاراً عالمياً في القصة والرواية والمسرح والسينما، حيث بادرت حكايات « ألف ليلة وليلة » العربية بتحديث قصة الحورية، وأضافت إليها الكثير من المغامرات المشوقة، التي استلهم منها مختلف الكتاب على مستوى العالم الكثير من البانورامات القصصية المثيرة، آخرها سينمائياً الجزء الرابع من « قراصنة الكاريبي »، الذي احتوى على تشكيلة مستهلكة من الحكايات القديمة من خرافة وأسطورة وسحر.

كلمة « أسطورة » اليوم تستعمل في الغالب لوصف شيء غير صحيح أو غير واقعي، أو أنها أمور لا تصدق، لكن الأسطورة في الحقيقة عبارة عن « ميثولوجيا »، أي في السياق العلمي « الفلسفة المعمرة » التي تم من خلالها ابتكار قصص خرافية عن الآباء الأولين والتي تساعد على تفسير الحس الفطري في البشر والعالم المادي، وقادرة على الإشارة إلى ما وراء التاريخ بهدف التبصر إلى جوهر الحقيقة، أو بهدف معايشة النشوة الروحية التي يمكن إيجادها في الفن والموسيقى والشعر والغناء والرقص والملذات والرياضة، وقد يختلف البعض في تلك العناصر، ولكنها حقيقة.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر