أبواب

عليك بالمشخال يا إسماعيل

سالم حميد

يمتهن إسماعيل صناعة «الصخام»، أي الفحم، ويمتلك في هولندا مصنعين لصناعة الفحم، قام بإنشائهما قبل بضعة عقود، وهما المصنعان الوحيدان اللذان يوفران احتياجات السكان من الفحم في هولندا في الوقت الحالي، وكان إسماعيل متمكناً وبارتياحية من توفير كل احتياجات السكان في فترة السبعينات والثمانينات، ولم يكن يظن في يوم أنه سيحتاج إلى إنشاء مصنع ثالث، لأن سكان هولندا في بداية الثمانينات كانوا بالكاد يتجاوزون المليون نسمة، من هولنديين ومقيمين، ولكن اليوم عدد سكان هولندا يبلغ أكثر من ثمانية ملايين نسمة، معظمهم قدموا من الخارج، بينما الهولنديون عبارة عن أقلية في موطنهم، عددهم أقل من مليون ولا يشكلون سوى أقل من 10٪ من إجمالي السكان، وإسماعيل يشكو أنه غير قادر على تلبية كل احتياجات السكان من «الصخام» لأنها تفوق طاقته الإنتاجية، لكنه آثر عدم قول الحقيقة والتحجج بحجج واهية، يصعب تصديقها لسذاجتها، ولعل إسماعيل خائف من قول الصدق، خشية أن يترتب على قول الحقيقة شيء آخر، خصوصاً أن الإعلام في بقية البلدان المحيطة مستغرب نقص «الصخام» في هولندا، وهي الدولة التي تعتبر إحدى أكبر الدول المصدرة للفحم على مستوى العالم.

الصحافة الهولندية خلال الأسابيع القليلة الماضية شنت حملة واسعة ضد إسماعيل واتهمته بأنه يتعمد عدم تلبية احتياجات السكان من «الصخام» لكي يرفع سعره، ولكن ما لا يعرفه البعض أن للإنسان طاقة محددة للقيام بعمل ما، فمثلاً، إسماعيل رجل عجوز يبلغ من العمر عتياً، كيف لي أن أطلب ممن هو في عمره أن يرفع ثقلاً وزنه 100 كيلوغرام؟! مستحيل! لكن البعض لا يجيد سوى كيل الاتهامات من دون إتعاب أنفسهم بالنظر إلى آخر الاحصاءات السكانية، والتمعن في تلك الأرقام المتصاعدة على نحو سريع، التي مهما حاولت هولندا الحفاظ على هويتها الوطنية، فإنها ستتعب كثيراً، لأن الخلل في التركيبة السكانية الهولندية سيعيق كل المحاولات، إلا إذا قامت هولندا بعملية «مشخلة». و«المشخال» في الدارجة المحلية والخليجية عبارة عن أداة من أدوات الطبخ، تُسمى أيضاً بالمنخل أو المصفّي، الذي يعمل على تصفية الأرز أو الحبوب من الشوائب، وهذا ما تحتاجه هولندا كي تحافظ على هويتها، بأن تكتفي بمن تحتاج إليه من الخارج، لا أن تفتح أبوابها على مصراعيها بحجة الاستثمار في بناء كتل اسمنتية تفوق طاقة البلد بكثير، من دون مراعاة للاحتياجات التي يتوجب توفيرها للقادمين الجدد من خدمات استهلاكية، غذائية، اجتماعية، خدمية، أمنية، تعليمية، صحية، وغيرها الكثير، وهذه الخدمات مرهقة وتستنزف الكثير من أموال الدولة.

من المقرر أن يقوم إسماعيل بافتتاح مصنع ثالث لصناعة «الصخام» في العام ،2013 وسيسهم هذا المصنع مستقبلاً في حل أزمة نقص الفحم في هولندا، ولكن إلى ذلك الحين ماذا يفعل إسماعيل ليسد الاحتياجات الحالية من «الصخام»؟ ربما عليه أن يستورده من الخارج، مع إعادة ترديد اسطواناته التي مللنا سماعها على مدى السنوات القليلة الماضية، عن ضرورة رفع سعر الفحم للمرة العشرين، وسبق لي أن قلت له: غالي «الصخام» يا إسماعيل.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر