أقول لكم

محمد يوسف

الوصول إلى الجنوب التونسي ليس أمراً سهلاً، 700 كيلومتر حتى مدنها الكبيرة، وفوقها 100 أخرى حتى رأس جدير، حيث معسكر الإغاثة الأول لدولة الإمارات، وإلى الجنوب هناك 150 كيلومتراً حتى الذهيبة، حيث المعسكر الآخر، ولولا تدخل السفير عبدالله السويدي لما تسنى لي الذهاب ومشاهدة ذلك العالم الجديد الذي خلفته النزاعات العربية العربية، وتذكرت ما قاله أحد المواطنين للبث المباشر قبل عام « إن في تونس سفيراً يبحث عن المواطنين ويتفقد أحوالهم قبل أن يتصلوا به »، وقد حدث ذلك بالفعل في مارس العام الماضي عندما بادرني السفير بالسؤال، وقد كان فعلاً خير عون في تحقيق رغبتي بزيارة الجنوب رغم انشغاله وعدم صمت هاتفه دقيقة واحدة، فهو يتابع عملية إغاثة شاملة، ومثله كان رئيس بعثة الإغاثة الإماراتية، العميد عبدالرحمن، الذي أسعدني الحظ أن أرافقه منذ السابعة صباحاً حتى مساء اليوم الذي قضيته هناك، من جرجيس إلى مدنين وبن قردان حتى مركز الحدود التونسي الليبي في رأس جدير، وزيارات بين تلك المدن للبحث عن مواقع جديدة لمستشفيات ميدانية متكاملة ومعسكر للاجئين المتوقع أن تطول مدة إقامتهم، واتصالات تبدأ من أبوظبي وتنتهي في بنغازي، وأسمع أرقاماً لمساعدات تتجه نحو الأهالي الذين يستضيفون اللاجئين الليبيين، ومعدات طبية وأدوية تتحرك في كل اتجاه، وتذاكر تصرف لمن لا يملك قيمتها، ومأوى يوفر للقادم الجديد، ونصل إلى المعسكر الذي يتقدم كل المعسكرات نحو الحدود، هو أول من يستقبل النازحين من الأراضي التي تحترق، وأجد شباباً من بلادنا يقدمون العون وسط الرياح والعواصف الترابية التي لا تتوقف في تلك المنطقة، وأشعر بالفرح، نعم، من حقي أن أفرح وسط المأساة، لأنني هنا، في هذه البقعة البعيدة جداً عن الحضارة والمدنية، هنا حيث يعتدى على إنسانية الإنسان، هنا أشاهد صورة خليفة مرسومة في عيون من احتضنهم معسكر الإغاثة، وهنا أسمع صوت محمد وهو يوجه ويتابع.

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه

تويتر