أقول لكم

محمد يوسف

استوقفني صوت المقرئ وهو يتلو القرآن وسط العاصمة التونسية، إنه حدث ما كان مسموحاً به في الزمن الذي ولى، ولفت نظري الحجاب الذي عاد بكل أشكاله، وأيضاً ظهور النقاب في بعض الأحيان، بينما الصور القديمة موجودة بكل تفاصيلها، لا تشنج أو تدخل أو تقييد، وحزب الأخوان المسلمين يرفع اسمه فوق البنايات، بعد أن افتتح فروعاً عدة له، لكن الناس لا يهمهم أمره كثيراً، هم يؤكدون أن تونس لن تعود إلى الوراء أبداً، وما حدث في يناير لبن علي سيحدث للغنوشي إذا جاء بفكره الإقصائي والفئوي نتيجة الانتخابات، وكما قال أحدهم إن الأخوان يخططون لسرقة مكاسب الشباب، والشباب أيضاً يخططون لحماية تونس منهم، أما إذا كانوا سيعيشون ضمن حدودهم وحجمهم الطبيعي فأهلاً بهم فئة من فئات الشعب، مثلهم مثل «الفرانكوفونيين» الذين لايزالون يؤمنون بأفضلية التغريب، والبعد عن المحيط العربي، لغة وثقافة وسلوكاً، ومن باب المصادفة شهد يوم أمس الأربعاء انطلاق جمعية حماية اللغة العربية، بحضور عدد من المفكرين والمثقفين المتفائلين بدور اللغة الأم في الحفاظ على الشخصية التونسية الزاخرة بأعلام العروبة والإسلام على مر العصور، وهذا دليل على أن تونس تستوعب الكل وهي تلبس حلتها الجديدة، وكل طرف حر في ما يعتقده أو يذهب إليه، وحريته تتوقف عند أعتاب الآخرين، عند حريتهم، فلا يطغى فكر على فكر، ولا تطغى مجموعة على مجموعات، ولا يتسيد تنظيم موجه، ولا يُقصى أحد. وفي حوار مع القيادات الصحافية الجديدة المنادية بشطب وإقصاء كل من كان على علاقة بالنظام القديم، ذكّرتهم بما حدث لهم عام ،2009 عندما تم إقصاؤهم عن قيادة نقابة الصحافيين، ثم سألتهم إن كانوا سيقبلون بأن يقصوا مرة أخرى إذا دارت الدوائر، فصمتوا، لأنهم تذكروا مرارة ما مروا به، وأسقطوا مطالبهم بإعداد قوائم سوداء، ويبدو أن هذا المنطق هو الذي سيسود تونس الجديدة، لأن أهلها تعرفوا إلى المبدأ المهم والثابت، وهو أن الجميع ينتمون إلى وطن واحد، لا يمكن نزعهم منه بقرارات تعسفية أو انتقامية، فمن يُقصِ اليوم يُقصَ غداً، ومن يستبد اليوم يُستبد به غداً.

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر