5 دقائق

كثيراً من التنازل

ميره القاسم

ربيع الثورات العربية لايزال مستمراً، والمتابع لما يجري في بعض بلادنا العربية يشعر بالحزن على ما آلت إليه الحال في تلك البلاد التي يقمعها حكامها، ويرفضون احتجاجات شعوبهم التي أرى أنها منطقية ومبررة في معظمها، فرياح التغيير التي هبت في منطقتنا قوية، ولا سبيل أمام بعض الحكام إلا النزول عند رغبات شعوبهم، ونحن نقرأ يومياً أخباراً متضاربة، الثوار يقولون إنه لم يبق سوى وقت قليل لقطف ثمار الحرية التي أصبحت في متناول اليد أو تكاد، وحكام تلك الدول يؤكدون أن الوضع مستقر، وأن المعارضة ومن يقومون بتلك الاحتجاجات لهم أجندات خاصة.

لا أعرف ماذا يريد حكام تلك الدول التي تغلي بالثورات؟ فالشعب، أي شعب، يرغب في رؤية بلاده تتنفس هواء الحرية، كما حدث في مصر وتونس، فلماذا كل هذا الإصرار على التمسك بالكرسي وتجاهل آمال وطموحات الشعب بحجة الحفاظ على النظام؟

مع هبات الشعوب وثورتها ضد الظلم والقهر والطغيان والتوريث، سقطت كل الشرعيات التي يستند إليها أي حاكم في تلك البلدان التي لا تفارق أخبارها شاشات الفضائيات على مستوى العالم، ولذلك أوجه رسالة إلى حكام تلك الدول:

يا سيدي الرئيس لا مفر من التنازل، وعليك أن تعرف أن رياح التغيير قوية، وعندما تريد الشعوب لا يستطيع أحد الوقوف في طريقها، حتى لو كان الحاكم نفسه، فمن منا كان يتخيل قبل بداية هذا العام أن الرئيسين المصري والتونسي سيسقطان بهذه الطريقة؟ وأن شعبيهما سينتفضان ضد الظلم والطغيان وسيتحقق لهما ما أرادا في وقت قياسي؟

كلنا يعرف أن فجر الثورات العربية انطلق من تونس، لكننا لا نعرف أين سينتهي، لذلك أقول للرؤساء المتشبثين بالكراسي على حساب الشعوب: ماذا سيحدث لو انحزتم لشعوبكم وحميتم بلادكم من التفكك والانهيار، وتخليتم عن السلطة طواعية، واكتفيتم بمحبة الناس، هذا إن أردتم ذلك؟ وحتى الآن، لا أجد تفسيراً لإصراركم على الخروج من التاريخ بهذه الطريقة المهينة، ولو فكرتم قليلاً واستجبتم لبعض ما يطلب الشعب، ولا أقول كل، لأصبحتم ربما أبطالاً قوميين، ولحملوا لكم قليلاً من الحب في ذاكراتهم.

أعرف أن الطبيعة البشرية، كما يقول علماء النفس، تدفع الحكام إلى البقاء في السلطة، حتى في أكثر الدول ديمقراطية، لكنني أقول: انظروا كيف يذكر التاريخ الآن كلاً من المناضل الإفريقي العظيم نيلسون مانديلا، وصانع المعجزة الماليزية مهاتير محمد، والرئيس السوداني الأسبق المشير عبدالرحمن سوار الذهب، انظروا كيف تتحدث عنهم شعوبهم بحب، لأنهم انحازوا للجماهير، ولم يتشبثوا بالكراسي.. السادة الرؤساء: بلادكم الآن على عتبة التغيير، وفي مرحلة الحسم، فلا تترددوا في اتخاذ القرار المناسب لشعوبكم، فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم لا تستمر بالقوة والقهر والتعبئة الوطنية المصطنعة، تحلوا بالحكمة،حتى تنقذوا بلادكم من الانهيار، ضحوا بالكرسي من أجل أن تعيش شعوبكم في سلام.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر