أبواب

وسائط مفتقدة

زياد العناني

في دول الغرب يستقيل الحاكم أمام أي هفوة أو احتقان سياسي أو حتى إذا وعد بإصلاحات سياسية ولم يستطع تحقيقها في برنامجه السياسي.

في دول العالم المتحضر يعتبر الحاكم نفسه خادماً حقيقياً للشعب ويعرف سلفاً أنه يمكن أن يقذف بالبيض الفاسد والبندورة والأحذية إذا اساء استخدام سلطته أو توقف عند غريزته، كما يعرف أنه إذا حدث وسجل مخالفة للقيم الإنسانية سيدفع ثمناً فادحاً ربما يكلفه حياته السياسية.

ألم يُضرب رئيس الوزراء البريطاني غوردان براون ورئيس وزراء ايطاليا بيرلسكوني من قبل المواطنين، تعبيراً عن رفض سياساتهما في ما يخص الشؤون الخارجية والركود الاقتصادي، وإعلانا عن غضبهم واستيائهم من سياسات لا تتوافق مع مرحلة الحكم وما قبله من وعود لا يمكن القفز عليها لأنها موجودة تحت العين وفي محيط مرصد المراقبة؟

أهم إنجاز حضاري يمارس في دول الغرب نسمع عنه وحين نقارنه بما يحدث عندنا تظهر البنادق والرشاشات والدبابات وتظهر سلطة الخوف والحكم بالإكراه في فضاء سياسي عربي مغلق بالخالد الأبدي لا تتحدد فيه سلطة الحكم من خلال الأطر الديمقراطية ويستحيل أن تتحدد ما دامت محصورة بعدم التداول ويتم الالتفاف عليها بإنتاج هيمنة متعددة الجوانب تكمن في الحكم من خلال الانقلاب العسكري والجذر الديني والقبلي وضمن ابتلاء شوفيني يستخف بالشعب، وليس لديه رؤى جديدة بخصوص المستقبل، لأن رأس النظام هو المستقبل كله في دولة مملوكة له بجيشها وأمنها ومالها، ومدينة له بكل مكوناتها الوطنية.

ليس في الأفق الطبيعي ما يؤشر إلى أن الأنظمة الدموية سوف تحترم مفردة الإصلاح، ومن غير المعقول أن نطلب منها أو من الذئب ترك فريسته قبل أن يأتي عليها ويستمتع بها لحماً ودماً وعظماً وجلداً.

إن نزع السلطة الاستبدادية في العالم العربي تشبه نزع الروح من الجسد ولهذا يسيل الدم، وتنحصر الدولة بكل مكوناتها في الحل الأمني والقوة والاستقواء، وينسحب الحوار المدجن بجملة من المحظورات السياسية والأخلاقية التي تجعل الشعب يغفو في دائرة المستمع الكريم إلى العظات والإملاءات، أو ضمن دائرة الغائبين عن الوطن.

لقد كشف ربيع الثورات العربية أن الوسائط بين الحاكم والمحكوم قد تجمهرت في مفردة واحدة هي الرضوخ، ومن لا يستطيع التكيف مع هذه المفردة فلا يوجد بينه وبين الحاكم سوى لون الدم، وعليه أن ينظر ويتمعن بلون المشرحة، وعليه أن يقارن بينها وبين سؤال الحرية، ويبصق في وجه الحقيقة التي تقض مضجعه، ثم يعود الى موقعه الذي كان يعيش فيه متواطئاً على نفسه وعلى أهله وعلى شعبه لا أقل ولا أكثر. لا مجال لأي إصلاح ولا حوار مع حاكم مستبد استقر في وعيه أن الشعب مجرد مخزون يقتنيه، ووفق هذا التصور يمكن أن يستعمله ويستثمره عبر الخطاب الديني، وعبر الخطاب الوطني، وعبر الكثير من النفايات السياسية البائدة، ويحق له أن يمنع عنه كل شروط الحياة بخطبة بيانية تسقط من عل، أو بجرة قلم أحمر لا يكتب إلا مفردات معينة مثل السيطرة والتحكم والتعذيب والتنكيل والترويع والصراع والمحنة والامتحان، والإبقاء على الانتماء والبيعة المطلقة، وهذا ما يبقي الكل حياً، وبغير ذلك يموت الشعب ويبقى النظام خالداً.

zeyad_alanani@yahoo.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر