أقول لكم

محمد يوسف

وصلت تونس الجديدة (تونس ما بعد يناير)، هذا اسمها الآن بعد أن كانت في الذاكرة تسمى «الخضراء»، ولأنني أعرفها جيداً، وآخر زياراتي كان قبل 10 أشهر من شرارة البوعزيزي ورحيل بن علي، توقعت أن تكون هذه البلاد شيئاً آخر، غير ما عهدناه، وهي فعلاً كذلك، اختلفت كل الملامح المحسوسة سابقاً من ردات فعل الآخرين، الناس هم الذين اختلفوا، بينما المعالم صامدة في أماكنها، حديث الناس اختلف، نظرة الناس اختلفت، وكذلك تعبير الناس عما يدور في خلدهم اختلف، وغابت حالة التوجس التي كانت سائدة، وتلك الالتفاتة في الاتجاهات الأربعة قبل بدء الكلام أو السلام ما عادت موجودة، ابتداء من موظف الجوازات تشعر بأن نظاماً جديداً قد استحدث، هو ليس خائفاً من وصولك إلى بلاده، وأنت أيضاً لست متوتراً من نظراته وعلامات الاستفهام المرسومة على وجهه، العقد أزيلت من النفوس، تتنقل بحرية أكبر، لا يلزمك أحد بأن يكون رفيق رحلتك «غصباً عنك»، فيخصص لك مرافقاً أو سائقاً، رغم عدم حاجتك إليهما، وفي بهو الفندق اختفى ذلك الشخص الذي يجلس بالقرب منك وهو يشغل نفسه بقراءة الصحيفة بينما نظره لا يرفع عنك وأذناه تتنصتان لكل همساتك، شيء واحد مازال كما هو، الود التونسي، تجده عند الجميع، ولا تتأذى من كثرة الترحيب والسؤال عن الصحة، هذه طبيعة راسخة في التوانسة، وقد زادت، لم تأخذها منهم الأحداث الأخيرة، وبقيت طيبة أهل تونس كما هي، لكنهم من الداخل تأثروا، ما مروا به لابد أن يؤثر فيهم، ولهذا لم أستغرب عندما استقبلنا عند «نافورة» المطار جلسة اعتصامية للعاملين بشركة التموين الجوي، قالوا لي إن لهم مطالب، وقالوا في شعاراتهم التي رددوها على طريقة «الراب» كل شيء، أخذوا الجميع في طريقهم، من رئيس الوزراء إلى« الجزيرة»، مروراً بالرئيس الذي رحل، ولم يلفت نظري سوى تلك الأوروبية التي ظنت أن هؤلاء المعتصمين يغنون شيئاً من الفلكلور الشعبي، فاندفعت بينهم ترقص على الأنغام التي تحركها المعاناة!

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر