أبواب

سرقات منهجية

قيس الزبيدي

ربما ليس من حقي أن أروي هذه الحكاية، التي لا يمكن أن يصدقها أحد، خصوصاً أنني لم أكن اعرف نهايتها، فقبل شهور طويلة حصلتُ على كتاب « فن الإخراج والسيناريو » الصادر عن دار « مجدلاوي » لمعده ومؤلفه، الذي سبق أن ألّف بعض الكتب وأخرج بعض الأفلام ونشر، ولايزال، مقالات عديدة حول التعريف بالسينما ومصطلحاتها التقنية. وعلى الرغم من انه، كما يقول، ألف كتابه الأكاديمي، الذي يضم فصولاً أساسية حول الإخراج والسيناريو والمونتاج، في الفترة الواقعة بين عامي 2005 و،2008 إلا أن ما استدعى استغرابي انه لم يذكر أي مرجع أو مصدر اعتمده في تأليف الكتاب أو إعداده. وحصل أني تركت الكتاب في برلين سهواً ثم حاولت الحصول على نسخة أخرى منه في عمان، نظراً لأهميته من جهة، ولأني كنت احضر لورشة حول المونتاج والسيناريو في دمشق من جهة أخرى. لكن صديقاً لي اخبرني بأن دار النشر سحبته من المكتبات، لسبب حصل في القاهرة!

في مكتبة مدبولي عثرت الدكتورة منى الصبان، مديرة المدرسة العربية للسينما والتلفزيون في الانترنت، التابعة لصندوق التنمية الثقافية في وزارة الثقافة المصرية، على الكتاب وسارعت لشرائه، معتقدة أنه يمكن أن يغني مشروع عمرها، الذي أسسته وتشرف عليه، والذي هدفه تعليم فنون السينما والتلفزيون عن بعد للناطقين باللغة العربية مجاناً، لكنها ويا للعجب وجدت أن الكتاب مجرد نسخة منقولة إلى الورق من برنامج مدرستها. وفي غمرة دهشتها اتصلت بدار النشر في عمان لتعبر عن استغرابها من نشر كتاب قام مؤلفه بسرقته من برنامج مدرستها المعروف تماماً. اعتذر الناشر وطلب منها التروي ليعود إلى الكاتب ويتحقق من الأمر، لكنه فوجئ بأن « المؤلف » اعترف بسرقة الكتاب وعبّر عن أسفه بأريحية كاملة عما حصل. وقيل إن الناشر ارتأى أن يعيد طبع غلاف الكتاب ويحذف مقدمة « السارق » ويضع له عنواناً جديداً ويصدره باسم منى الصبان.

بدت لي هذه الرواية قابلة للتصديق حقاً في حالة تنفيذ اقتراح الناشر. وفعلاً صدر الكتاب بعنوان جديد « مناهج من السيناريو والإخراج والمونتاج » ويحمل اسم مؤلفته الجديدة.

سبق ان أثيرت في الانترنت حملة شديدة استمرت شهوراً عدة وتوقفت أخيراً وكشفت عن سرقات مثيرة قام بها بعض النقاد بالسطو على كتابات نقاد آخرين ونشرت بأسمائهم، وعلى الرغم من أن تلك السرقات بدت غريبة وصعبة التصديق، إلا أنها دفعت بالكثيرين إلى التأكد من صحتها. ووقتها قيل إن هذه السرقات مفيدة لأنها تدفع القراء والنقاد إلى قراءة المسروق وتقارنه بالأصل، وهذا أمر مفيد، ينشط من نشر ثقافة السينما!

ماذا بوسعنا أن نقول عن سرقة جريئة لبرنامج مدرسي معروف ومنتشر في الانترنت منذ سنوات؟ إنها عملية سطو بالكامل. كان بريشت يقول « الأغبياء هم من يسطون على بنك والأذكياء هم من يؤسسونه »! لكن يبدو أن اللصوص هم أكثر ذكاء من أولئك الذين يسطون على بنك ثقافي، من دون أن يبذلوا عناء أولئك السراق، الذين ينعتهم بريشت بالغباء!

 alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر