أقول لكم

محمد يوسف

عرفت العشرات من النواب العرب، عرفتهم عندما كانوا أناساً بسطاء يكاد بعضهم لا يجد قوت يومه، ويشغلون وظائف بسيطة من حيث المستوى والمردود، وتواصلت معهم بعد أن أصبحوا نواباً، ممثلين للشعب، وعايشت الفرق، وقد كان شاسعاً، حتى إنني في بعض الأحيان أتصور أن أنياباً قد نبتت لهؤلاء الذين كانوا بشراً طبيعيين، وفي لمح البصر تحولوا إلى وحوش كاسرة، لا يتردد الواحد منهم في إطلاق التهديدات بحق كل من يقف أمامه، ولا يخجل من أن يمشي بين خلق الله كالطاووس، نافشاً ريشه، وكأنه راغب في مطاولة السماء أو بلوغ قمم الجبال، وكانوا جميعاً يبررون ذلك بأنه لزوم الوجاهة والمكانة، ويدعون أنهم اضطروا إلى أكل من يقف ضدهم حتى لا يؤكلوا، وقد أكلوا كل شيء، نهبوا أوطانهم، وسرقوا الذين يمثلونهم، باسم الديمقراطية فعلوا كل شيء، وأصبحت المواقف تتخذ بناء على الخدمات التي ستتحقق لهم، ورأيت أبناء بعضهم كيف تحولوا إلى «سادة» لا تُعصى لهم أوامر، يمكن أن يضربوا شرطياً ينظم حركة المرور في الشارع، ويمكن أن يدهسوا المارة بسياراتهم لأنهم مستعجلون، ويمكن أن يتطاولوا على شرف غيرهم عندما يتحرشون بنسائهم أو بناتهم، وهم زبائن دائمون في الأماكن المشبوهة، وقد قرأنا عنهم حكايات تحول بعضها إلى أفلام سينمائية، والبعض الآخر نشر في الصحف متى ملكت الصحف هامشاً صغيراً في قضايا الإصلاح ونقد السلبيات، ولدينا جميعاً أمثلة حول ممارسات النواب في البلاد العربية، ولكن بعض الخفايا ما كانت تصل إلينا، وقد ظهرت في الآونة الأخيرة ومازالت بعض التفاصيل تعلن، لقد تحولوا إلى «مافيات»، وبالمفهوم الشعبي إلى عصابات منظمة هم زعماؤها، واستنزفوا الثروات ضمن اتفاقات سرية مع الأنظمة في بعض الدول، فهم ـ أي النواب ـ يأخذون نصيباً من «كعكة» الوطن والسلطات الأخرى تأخذ أنصبتها، وهذه الاتفاقات غير المعلنة لها ثمن كبير، فبقدر صمت النائب بقدر ما يمتلئ جيبه وحساباته بالثروات، ولا يخسر غير الوطن.

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر