أبواب

القبيلة تعتقل القتيلة

محمد المرزوقي

ليس هناك ـ على ما أظن ـ موضوع يمسّ حياة المرأة السّعودية مسا عميقا أكثر طرافة من موضوع قيادة السيارة. والموضوع على الرغم من طرافته وغرابته لا يخلو من أهمية. ومن يعتقد أن منال الشريف «ما عندها سالفة» ويستنكر تضخيمها مسألة حقها في قيادة السيارة، يشبه في موقفه شخصاً يقف على الشاطئ وهو يسخر من الطريقة التي يتصرف بها أحدهم وهو يغرق، حين يستنكر قائلاً: لماذا يضرب الماء بيديه هكذا؟

لم أستغرب أبداً ثورة التيار الديني المتطرف على منال الشريف إلى حد الدعاء عليها بالموت، أو إدراج فعلتها ضمن علامات الساعة، أو جعلها آية رابعة من آيات النفاق!

فالمتطرف شخصٌ يرتدي ساعة مقلدة، تتحرّك عقاربها إلى الخلف، ويشير توقيتها إلى الماضي دائما. إنّه يعيش خارج الزّمن، ينام ويصحو متأخراً عن عصرنا بضع سنوات وأحياناً بضعة قرون، من دون أن يدرك بالطّبع أن العالم من حوله لا يسير طبقاً لتوقيت ساعته الرديئة، ومن دون أن يدرك أن زمن شهريار ولّى وراح، وولى معه كذلك زمن الكلام المباح حتى مطلع الصباح. فشهرزاد أصبحت تخلد للنوم باكراً من دون أن يوقظها صراخ شهريار وأمنياته لها بالويل والثّبور.. والموت!

لو تجاوزنا التفاصيل، أسماء رجال الدّين، وفتاواهم، لوجدنا أن ما حدث له دلالة خطيرة. فالفساد ليس في أن تقود المرأة سيارة، بل أن يعتقد شخص ما أن الموت هو الحلّ الأمثل لأية مشكلة. إنه سقوطٌ فكري، وتدهورٌ إنساني، واعترافٌ ضمني بأن التيار المتطرف يجيد استعمال يديه أكثر من استعمال رأسه!

نتيجة لهذه الدعوات المتطرفة، ظهرت كتابات نسوية كثيرة تحرض المرأة على انتزاع حقوقها المهدورة في المجتمع كمياه الصرف الصحي. ولكن الخطأ الذي تسقط فيه أكثر هذه الكتابات/ الكاتبات، هو أنها تعتبر معركتها ضد الرجل، لا ضد التخلف الاجتماعي العام. صحيح أن هناك ظلما مظلما واقعاً على المرأة. لكن من الخطأ أن تعتقد المرأة أن الرجل يتعمد ذلك أو أنه المسؤول الوحيد. هنالك أسباب اجتماعية ودينية وقبلية صنعت عذابات الرجل والمرأة معا.

فالرجل ليس عدوا للمرأة، كما أنه ليس بمقدوره أن يمنحها حقوقها.. حتى لو شاء، العدو الحقيقي هو التخلف الاجتماعي، والمطلوب تحرير المرأة والرجل في مجتمع يستعبدهما معاً باسم الدين تارة وباسم البروتوكولات القبلية تارة أخرى، فالعلاقة بين المرأة والرجل طردية، ووراء كل امرأة سجينة رجل مكبوت.

يقول الشيخ أحمد بن باز (ابن مفتي عام السعودية الراحل الشيخ عبدالعزيز بن باز) «موضوع قيادة المرأة للسيارة هو موضوع يتعلق بحق المرأة في أن تتنقل، في أن تتملك، في أن تمارس حريتها التي كفلها لها الإسلام».

هذه صرخة صادقة أتت من أعماق رجل، ها هو أحد الجلادين كما تصوره بعض النساء الساذجات، يقف بجانبهن، ويتخلى عن مكاسبه الموروثة من أجل أن يصدق مع ذاته.

بينما الواقع المرير يقول إن المرأة نفسها تمارس دور الجلاد، أليس أول صوت للمنددين بمنال الشريف كان صوت النسوة اللاتي وقّعن على عريضة للمطالبة بإحكام ربط السلاسل حول أعناقهن؟

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر