أبواب

المدينة الأسطورية

قيس الزبيدي

بعد 74 عاماً تفتح أبواب عالم الخيال العجائبي ليدخله ناس العالم الواقعي، وتبدأ رحلة جديدة إلى عالم وهمي آخر أقامه منذ 74 عاماً الأب الروحي لـ« الفاشية » موسوليني، الذي يقال إنه خضع وقتها لمقولة لينين الشهيرة: « السينما، من بين كل الفنون، هي بالنسبة لنا الفن الأهم »، ووجد بدوره في السينما ضالته، لكن كوسيلة لصناعة أحلام لا يحققها للناس في مصنعه « الفاشي »، كما وجد فيها أداة دعاية قوية لنظامه، وهكذا شرع في بناء « شينه شيتا »، لتكون أكبر مدينة في أوروبا، تضم تسعة استوديوهات كبيرة، فوق مساحة من الأرض تبلغ 400 ألف متر مربع، واستطاع في عام 1937 أن يفتتحها باحتفال مهيب. واليوم وبمناسبة مرور 150 سنة على توحيد إيطاليا، افتتح في نهاية شهر أبريل الماضي معرض مفتوح أمام زوّار « المدينة السينمائية »، والهدف منه تنظيم احتفال يومي سينمائي تاريخي وتراثي ثقافي، يتحول فيه المعرض أخيراً إلى متحف للسينما.

وراء انتشار أخبار الاحتفاء بالسينما الإيطالية، هو تاريخها المميز ونهضتها المتعثرة، وأثرها الثقافي والفني في إيطاليا وفي أوروبا وفي العالم أيضاً.

ونقرأ في هذه الأخبار كيف يتعرف الجمهور عن قرب إلى تاريخ المدينة الأسطورية، ويزور استوديوهاتها، ويطلع على حرفياتها المختلفة، ويتأمل بإعجاب إكسسوارات أفلامها الشهيرة مثل « كليوباترا » و« بن هور »، ويشاهد تلك الأزياء والملابس التي ارتداها نجوم أسطوريون مثل كلاوديا كارديناله وصوفيا لورين وأنيتا إيكبرغ ومارسيلو ماسترياني وجوليتا ماسينا وإليزابث تايلور، كما يمكنه أن يشاهد مقاطع فيلمية من تحف سينمائية، ويكتشف تاريخ السينما، ويرى ويسمع مقابلات مع مؤرخين ونقاد سينمائيين حول المخرجين وأنواع الأفلام، ويطلع على صور فوتوغرافية لا تحصى، سجلت أثناء تحقيق الأفلام الشهيرة.

جاء عهد السينما الذهبي بعد الحرب العالمية الثانية، حين بدأت نهضة فنية جديدة مع تيار « الواقعية الجديدة »، الذي أرسى تقاليده مخرجون من أمثال روبرتو روسليني وفيتوريا دي سيكا ولوشينو فيسكونتي ودي سانتيس والبرتو لاتودا، الذين استطاعوا أن يجعلوا من مدينة روما عاصمة للسينما. وفي نهاية الأربعينات جاء المنتجون الأميركيون إلى روما، لأنها كانت أرخص من هوليوود، وبدأ عندئذ زمن إنتاج أفلام الصنادل المزخرفة والأزياء التاريخية الساحرة، وأفلام نجوم هوليوود العالميين، كل ذلك في محاولة لتأسيس ما سُمّي « هوليوود على نهر التّيبر ».

وحصل أن تعرضت مدينة الأحلام لنكسات تاريخية، بسبب التنافس الشديد، وتراجع الدولة عن تغطية ميزانيتها، إلا بنسبة ضئيلة، وبدا كما لو أنها تتعرض للموت، لكن منذ بداية الخصخصة في عام ،1997 تبنى القطاع الخاص ميزانيتها بنسبة كبيرة، وساعد، بداية، الاستمرار في الإنتاج المربح على تصوير المسلسلات الكثيرة والأفلام الكوميدية، التي كانت تنتج للسوق المحلية، ثم قاد إنتاج الأفلام الروائية الأميركية الضخمة مثل « المريض الإنجليزي »، و« عصابات نيويورك »، و« القيصر الأخير »، و« اسم الوردة »، إلى أن تعود المدينة لتصبح مصنعاً أوروبياً ضخماً للسينما، وليصل عدد استوديوهاتها إلى 21 استوديو.

في افتتاح المعرض الاحتفالي للمدينة قال روبرتو بنيني الحائز الأوسكار عن فيلمه « الحياة حلوة »: «ليست هذه (المدينة) مجرد ذكرى، إنها الأم التي أنجبتنا كلنا ».

يبقى أن نقول إن الأفلام الإيطالية نالت منذ عام 1947 «48» جائزة أوسكار.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر