أبواب

انظر إلى السماء

سالم حميد

كنتُ جالساً خارج أحد المقاهي أدخن الشيشة، هجم عليّ مجموعة من أصحاب اللحى الطويلة الشعثاء والكنادير القصيرة، ثم حدثوني بالفصحى «السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نحن لا نريد من متاع الدنيا شيئاً»، ثم جلسوا على الطاولة نفسها التي أجلس عليها من دون أن أدعوهم إلى الجلوس! لم أمنعهم وسألتهم إن كانوا يرغبون في شرب الشاي، فقالوا «نحن لا نعاقر الشاي والعياذ بالله!»، سألتهم عن السبب، فقالوا إن الشاي لم يكن معروفاً في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنهم يتبعون السنة النبوية بكل حذافيرها، وكل ما هو غير معروف أو غير متداول في زمن الصحابة، فهو بدعة في زمننا الحالي!

لاحظتُ أنهم يحملون معهم هواتف نقالة ومفاتيح سيارات، فقلت لهم «على ما أعتقد، فإن الهواتف النقالة والسيارات لم تكن معروفة في زمن الصحابة أيضاً، أليس كذلك؟!»، شعروا بالإحراج، ثم أضفت: «الهواتف النقالة والسيارات التي تستخدمونها من صناعة غير المسلمين، ورغم ذلك فإنكم تستخدمونها، ألا تشعرون بنوع من التناقض في ما تقولون؟ أليست هذه الاكتشافات من البدع في يومنا الحالي؟»، أجابوني: لم نأتِ إليك حتى نتناقش في هذا الموضوع، إنما أتينا كي نهديك، وندعوك للانضمام إلينا بعد أن تهتدي على أيدينا إن شاء الله.

قلت لهم: قول حسن، كيف لي أن أساعدكم؟

قالوا: انظر إلى السماء!

نظرت إلى السماء ثم قلت: ما بها؟

شعروا بالاستغراب، قائلين: بل تمعن جيداً في السماء يا بني!

نظرت مجدداً إلى السماء، وتظاهرت بأنني أتمعن فيها بقوة، ثم قلت: صافية وجميلة الحمد لله.

قالوا: بل تمعن جيداً.

تظاهرتُ مجدداً بالتمعن وكررت الجملة نفسها: صافية وجميلة.

قالوا مجدداً: بل تمعن جيداً.

حينها مللتُ، فسألتهم: وما بها السماء أخبروني أنتم؟

أجابوني وبكل استغراب: ما بها السماء؟ ما بها السماء؟ لقد رفعها الله من دون عمد!

وبمجرد أن أجابوني فغرتُ فاهي بشدة تعجباً وشهقت شهقة عظيمة أفزعتهم وقلت: يااااه، لم أكن أعلم بذلك! أجابوني: بل اعلم ذلك يا بني! ألا ترى هذه الأعجوبة من أعاجيب الله التي تجعلك تؤمن بالله ورسوله وتعود إلى الإسلام وتكف عن ارتياد مقاهي الشيشة التي تعيث في الأرض فساداً والعياذ بالله! فاستغفر يا بني استغفر الذي خلقك، وأعلن توبتك أمامنا وأن تلتزم بالشريعة وتبطل هذا السم والعياذ بالله.

قبل بضع سنوات كتبت مقالة عبر هذا العمود، انتقدت فيها نظرية «التترس»، وهي حجة فقهية وضعها الشيخ ابن تيمية، تبيح قتل المدنيين إذا كان الهدف يستهدف قتل الأعداء، ثم جاء مجموعة من الشباب إلى والدي البسيط، وقالوا له «ابنك يشتم ابن تيمية»، فأتى والدي إليّ يؤنبني «أنته اشحقه تشتم عيال الأيتام؟!»، لم أفهمه في البداية، وبعد الفهم أجبته «أعدك يا أبي بألا اشتم عيال الأيتام مجددا».

لم أذكر تلك الطرائف إلا بعد قراءة طرفة الموت الأخيرة للشيخ عبدالرحمن البراك، الذي تمنى الموت للسعوديات المطالبات بحق المرأة السعودية في قيادة السيارات! وسيستمر مسلسل طرائف هؤلاء!

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر