أبواب

شعراء الأنظمة

زياد العناني

بعد جهد نجح أطباء أردنيون في زراعة لسان الشاعر اليمني وليد الرميشي من دون أن يدري أحد إن كان اللسان العائد هو نفسه أم أنه قد تكلل بجزء جديد.

لم يك لسان الرميشي الذي تعرض للبتر لسانا عاديا ولو كان كذلك لما استفز بتره الرئيس اليمني علي عبدالله صالح ليجعل منه مكملا فاعلا لجملة من الألعاب السياسية التي تهدف إلى المناكفة والرد على مناوءته المستمرة وإصراره على إعادة عقارب الحياة إلى الوراء وتكرار دورة زعامته الملزمة إلى الأبد.

يقال « مقتل المرء تحت لسانه »، ويقال ايضا « لسانك حصانك »، غير أن الشاعر الرميشي نسي هذين المثلين حين استبدل بإرادة الشعب كله إرادة شخص واحد ربما يملأ فمه بالجواهر.

بالطبع نحن ضد التمثيل بالجسد الإنساني ونرفض قطع اللسان لاعتبارات إنسانية وأخلاقية ولكننا مع قطع الطريق على كل شاعر مأجور وكل صاحب فاتورة مسجلة يستبدل برأسه الذنب ويرى الدم وهو يسيل « للركب »، ثم يغني لزهور السلطة، معتبرا أن الرصاص الحي الذي يطلق على مواطنيه مجرد « زفة » عرس وطني وأن صدر النظام لا يتسع لأبناء الوطن فقط بل يتسع لكي يطوي الوطن كله.

اللقاء بين شاعر ما ونظام ما لا يتم إلا على حساب الناس، لأن الموجود بين الاثنين هو عقد تبادل خدمات بين المادح والممدوح يدفع من مال الشعب وهو لقاء لا يحتاج إلى موهبة شعرية بقدر ما يحتاج إلى دراية بمجاملة الخراب البنيوي وقلب التواريخ والحقائق، كما يحتاج إلى خطة وهمية لرفع هذا النظام أو ذاك على رؤوس العالمين والغدر بكل المفاهيم المدنية كالمواطنة والمشاركة والانتماء وثقافة الحوار وإدارة الاختلاف واحترام الآخر وكل هذا يتم من خلال قصيدة منبرية تلم القوافي بلا سحر ولا ساحر وتجلب الكلمات الإنشائية من مستنقعات بعيدة عن الشعر وجمالياته.

ليس من الحق أن يقطع لسان شاعر سواء كان بالسكين أو بالمنشار الكهربائي ولكن في الوقت ذاته ليس من حق أي شاعر أن يتكلم باسم العامة ويعيش بدلا منهم ويتجرأ نيابة عنهم وبإعلان شكرهم على نعمة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية التي يرونها في الدول الغربية ولا يرونها عندهم.

لقد انتهى زمن الشاعر القديم وصار من المضحك أن يترك شاعر لنفسه أن تعين الكيان الذي يتوجب أن نكون عليه ضمن أسطرة العلاقة بين الحاكم والمحكوم وتحصين مناطقه الجليلة مرة من خلال المكابرة ومرة من خلال الكذب ومرات كثيرة من خلال رسم زعامات لا تهبط على الأرض وليس لها حاجات « مبولجة » ومن لم يصدق فما عليه سوى أن ينظر في حبر كل قصيدة تكتب تحت الطلب وتظل مطرودة خارج فضاء الشعر الذي لا يضمحل ولا يموت.

لا يجوز لأي شاعر أن يذهب إلى إساءة النطق ووضع الناس في منزلة العبيد واستبدال تطلعاتهم بالديمقراطية والتشكيل السياسي والعمل بمبدأ الرقابة والتقييم والمحاسبة والمساءلة واحترام المصلحة العامة بتطلعات قصيدة تمتدح جهود رئيس يقمع الممارسة السياسية، ويرى أنه الدولة والجيش والأمن والسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية وعلامة الحياة في الشوارع وفي كل البيوت.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر