أبواب

حمّى النشر

خليل قنديل

وسط هذا «الإسهال» الكتابي العربي المنتشر في كل العواصم العربية، فإنك حين تتريث أو حين تتباطأ في نشر موادك الإبداعية تُتّهم بالإقلال، وربما بالكسل. ذلك أن ديدن النشر السائد هو عدم توفير أي فكرة قد تنبت في الرأس، والعمل على تحبيرها بشكل فوري ودفعها الى الناشر والمطابع. وهذا يجعلنا نعتقد أن الرقابة النقدية العربية غائبة تماماً عن هذا السيل الحبري الهادر الذي يكاد يخنقنا بتفاهته. ذلك ان النقد العربي عموماً بات أقل اهتماماً وأقل جدية في التعامل مع ما تضخه المطابع العربية يومياً.

فبعض الكتّاب العرب، ومنهم بعض الرموز التي تسيدت ساحاتنا الثقافية، تربط وجودها الكتابي في الساحات الثقافية العربية بكم النشر وعدده وليس بنوعه أو جودته، وهذا يجعل من هذه الفئة جهة مغامرة في الكتابة، بحيث انها تكتب الرواية والقصة والمسرحية، وربما الشعر احياناً، ولا تتوانى في بعض الأحايين عن الكتابة في أدب الأطفال أيضا!

إن وجوبية الكتابة عند هؤلاء تمنحهم صفة المغامرة الكتابية، فتراهم يجترحون مناخات كتابية غريبة عنهم، وهم يصولون ويجولون في مناخات افتراضية ذات طعم بلاستيكي ليست ذات معنى على الإطلاق.

وفي هذا السياق صار من الطبيعي وحين يتم تقديم أي واحد من هؤلاء من على المنصة، أن يقول المقدم، والآن أقدم لكم القاص والشاعر والروائي فلان! وبالطبع فإن هذا التراكم في الكنى التي تسبق اسم المبدع الموهوم، يزيد من حجم الانتفاخ عند فلان هذا.

والأمر عند هؤلاء لا يتوقف عند هذا الحد، بل يتعدى ذلك الى نشر نتاجهم في طبعات وهمية عدة، يدفع تكاليف نشرها هو ذاته، ومن ثم يسعى بعضهم الى نشر الأعمال الكاملة في كل مجال كتب فيه، ومن ثم يبدأ بطباعة المختارات في كتاب مستقل، والأعتى من ذلك كله هو العمل على تجميع الحوارات التي أجريت معه كي ينشرها في كتاب مستقل، أو القيام بجمع المقالات النقدية التي كتبت عنه من الحواريين الخلص ليجمعها وينشرها في كتاب.

إنها حمى النشر، و«حكة» الظهور إذن هي من تجعل هؤلاء يتسيدون المشهد الثقافي العربي، مع انهم لا يملكون في الأصل الجملة المفيدة المُغمسة بجمر الكتابة، ولم يطأوا تلك النقطة التي تحرق أصابع الكتابة.

إنهم أسياد الثرثرة الكتابية بامتياز.

khaleilq@hotmail.com

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر