أبواب

أخطاء صاحبة الجلالة

محمد المرزوقي

أحياناً، يصبح الإعلام مهنة وضيعة، وعملاً أحمق، وفعلاً إجرامياً بمقدور أي مرتزق أن يقوم به. قناة «فوكس نيوز» الأميركيّة استطاعت أن تصبح كل ذلك عن جدارة واستحقاق، إذ إنّ لديها القدرة على قتل أي شيء لا يروق لأجندتها! لدرجة أصبحت معها هذه القناة طاغية يشار إليها بالـ«ريموت كونترول». فقد قتلت «فوكس نيوز» ببرامجها الحقيقة، الصدق، مفاهيم الحرية.. والرئيس الأميركي باراك أوباما. فقد وضعت «فوكس نيوز» نبأ مقتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في شريط الأخبار العاجلة على النحو التالي: «تقارير تؤكد وفاة أوباما بن لادن»، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إنما قام مذيع القناة على الهواء بتكرار الخطأ قائلاً «الرئيس أوباما أعلن من البيت الأبيض للأمة والعالم أجمع أن الرئيس أوباما قد مات فعلياً».

لم أستطع أن أتعامل مع خطأ «فوكس نيوز» بحسن نية، ليس لأنّني لعين بالفطرة، ولكن لأنّ القناة تتخذ خطاً معارضاً للرئيس باراك أوباما وللحزب الديمقراطي بشكل عام!

في كتابه «أخطاء صاحبة الجلالة» يذكر الباحث والإعلامي الإماراتي سعيد حمدان، جريمة قتلأ مشابهة لتلك التي ارتكبتها «فوكس نيوز»، ولكن الخطأ هذه المرة بشري ولا يخلو من عفوية وطرافة!

فقد حدث أن سمع أحد المحررين في إحدى الصحف المحلية شائعة أن الشاعر الشعبي راشد بن طناف ـ وهو أحد أهم شعراء الفكاهة في الدولة وله شعبية كبيرة في هذا المجال ـ قد توفي.

لم يكلف المحرر نفسه عناء التثبت من الخبر، وعاد إلى الصحيفة مسرعاً، لينقل خبر وفاة بن طناف إلى زملائه في القسم الثقافي. وزاد هؤلاء الطين بلة عندما قرروا إقامة خيمة عزاء للشاعر الراحل على صفحات الجريدة. فقد صدرت الصحيفة في اليوم التالي بخبر على الصفحة الأولى ونصف صفحة بالداخل عن رحيل الشاعر طناف مع صورة كبيرة له. ويقول عنوان الموضوع «رحيل أحد أعمدة الشعر النبطي في الإمارات»، وعنوان آخر «عاش أياماً حافلة بالآلام من أجل محبوبته». والطريف في الأمر أن الشاعر كان في ذلك الوقت كبيراً في السن ومريضاً، وكاد يموت ـ قبل يومه ـ من الغيظ على الصحيفة التي كتبت في آخر فقرة في موضوع الرثاء «لتنم مستريحًا تحت الثرى بعد عناء وشقاء طويل، وبعد تلك الأحزان، عسى ربك أن يلحقك برفيقة حياتك يوم البعث المعلوم».

بعين قارئ متفحص يتفنن سعيد حمدان على مساحة 207 صفحات في اصطياد أخطاء طريفة من الصّحف الإماراتية، كما تفعلُ الأمّ القرويّة حينَ تفلي شعر ابنتها.. و«تلقّط» القمل!

سواء كان ذلك الخطأ طباعياً، أو بشرياً ، أو حتى كمبيوترياً، كما حدث عندما تسبّب الكمبيوتر في جعل كركلا واحدًا من الرسل والأنبياء، فجاء في متن تقرير صحافي أجرته مطبوعة محلية عن مهرجان دبي للتسوق ونقلت فيه انطباعات المتسوقين والزوار «وأضاف كركلا (صلى الله عليه وسلم)، نأتي إلى دبي خلال مهرجان دبي للتسوق»! على الرغم من كثرة الكتب التي تناولت موضوع الأخطاء الصحافية إلا أن ما يميز كتاب سعيد حمدان أنه لا يكتفي برصد الأخطاء، بل يتابع أيضاً ما سببته هذه الأخطاء لاحقاً من ردود أفعال، وكيف تمت معالجتها والتعامل مع مرتكبيها! فالعمل الصحافي ـ في حالات كثيرة ـ خطأ واحد وينتهي أمره إلى الأبد.

 

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر