أبواب

خيانة أدونيس!

يوسف ضمرة

الذين هللوا وطبلوا وزمروا لأدونيس طوال سنوات، هم اليوم من يرمونه بحجر، فما الذي تغير؟

كل ما في الأمر هو أن أدونيس يصر على فصل الدين عن الدولة، هكذا كان من قبل، وهكذا هو اليوم، لا يؤيد التغيير السياسي من المساجد وما يرتبط بها، لكنه يدين القمع الذي يتعرض له المحتجون، يقف مع المقاومة المسلحة ضد العدو الصهيوني، ويدعو إلى عدم تسييس الدين، ويدعو إلى دولة مدنية، ويطالب بالحقوق المشروعة للأفراد والجماعات، ويقف ضد القمع والاستبداد، فأين الخطأ؟

هل المطلوب هو الانتقال إلى العماء المطلق، طالما كان الهدف هو النظام الحاكم؟

في الأقل، كان لأدونيس موقف على الدوام من هذه الأنظمة الاستبدادية، وكان يدعو إلى التصدي لها، من دون أن يستثني أحداً، بينما كان غيره من المثقفين العرب على صلة بارزة بالنظام والسلطة، أو يضع قدماً هنا وأخرى هناك!

أما الآن، فقد أدرك أدونيس أن ما يحدث ليس كما تمناه أو أراده أو نادى به.

وأنا أسأل: هل نحن راضون عما يحدث في ليبيا مثلاً؟ وهل نحن موافقون على تحويل أي دولة عربية إلى عراق آخر، أو صومال أخرى؟

كان المدعو عبدالقادر الجنابي من أوائل الذين هاجموا أدونيس، وأشار إلى أن دعم أدونيس لـ«حزب الله» نابع من شيعيته، وها نحن كما نرى دخلنا التجربة! فإذا كانت الانتفاضة الشعبية في سورية ـ كما يسميها البعض ـ قائمة على خلفية مذهبية، فلا أهلاً ولا سهلاً بهذه الانتفاضة، وإذا كان « حزب الله » يقاوم العدو الصهيوني، فليس لأنه حزب شيعي، وإنما لأن العدو الصهيوني محتل وظالم ومستبد وتوسعي، والمقاومات ضد العدو كانت على الدوام متباينة الانتماءات والتوجهات السياسية والمذهبية، فهنالك الماركسيون والإسلاميون السنة والقوميون وما إلى ذلك، ولا يحق للجنابي أو سواه، أن يجعل من المقاومة ضد العدو الصهيوني مجالاً لانتقامه من الحالة العراقية، هذا إن لم يكن الجنابي يفعل ذلك لأسباب أخرى، فهو على علاقة ممتازة مع بعض الكتاب والأدباء الصهاينة، وقد ترجم له أحدهم بعض قصائده، بوصفه شاعراً لم يسمع به العرب، بل إنه أفصح عن إعجابه وولعه بالنصوص التوراتية ونصوص القبالاه والتلمود، واعتبرها العامل المؤثر الأول في نشوء قصيدة النثر، التي يعتبرها أهم إنجاز إبداعي.

كل ما قاله أدونيس هو أن على الثورة أن تعيد صياغة البنية الاجتماعية من جديد، لا أن تغير الحكام وتستبدل آخرين بهم، وكفى الله المؤمنين القتال، وهذه الفكرة ليست حكراً على أدونيس وحده، فقد نادى بها الكثيرون، وكتبنا نحن وغيرنا هذا الكلام في هذه الزاوية، وفي أكثر من مكان منذ البدايات.

كل ما أرجوه هو ألا يحاول أحد أن يقنعني بحرص « الناتو » على حقوق الإنسان وحرية الشعب العربي، ولكن المؤلم أكثر، هو أن نتجاهل سنوات الحصار المرعب على الفلسطينيين في غزة، ونتجاهل ثورة الفلسطينيين في ذكرى النكبة، وعدد الشهداء الذين سقطوا على الأسلاك الأميركية، لنركز اهتمامنا كله على أدونيس، ورفضه لحراك سياسي من المساجد، متجاهلين أو مسقطين تتمة مقولته، التي يرفض فيها قمع المحتجين وإهانتهم في أي صورة كانت.

ما أتمناه فقط، هو ألا يكون الموقف المتصاعد من أدونيس قائماً على خلفية مذهبية!

damra1953@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر