أبواب

الأخ الكبير يراقبكم

قيس الزبيدي

إذا أردت الحصول على صورة للمستقبل فما عليك إلا أن تتصور حذاءً عسكرياً ينزل بالضرب على وجه دونما انقطاع. هكذا تقول جملة يُستشهد بها غالباً من رواية جورج اورويل « 1984 »، التي تخيّل فيها عالماً مرعباً في دولة طوباوية شمولية تدعى « اسيانيا »، يهيمن فيها نظام استبدادي بوليسي، ويمارس بحجة التصدي لعدو خارجي، تخريب الثقافة، وينظم باستمرار مبدئي تدمير المجتمع وأفراده ويعلن حروبه الدائمة.

يعمل بطل الرواية وينستون سميث، في « وزارة الحقيقة » وهو شخص متردد وخائف، يحب وظيفته ويكرهها في الوقت نفسه، لأنه في سريرته يرفض سطوة الحزب القائد « انغسوك » وزعيمه الملهم « الأخ الكبير »، لكن الوظيفة تلزمه بكتابة تقارير تمجد وتروج للأكاذيب التي يلفقها الحزب، حينما يتمسك بالماضي ويعيد كتابة التاريخ، كما تروج لتلك الحقائق التي يطلقها « الأخ الكبير » من حين لآخر، رغم أنها مجرد أكاذيب باطلة.

غير أن « وينستون » لا يستطيع أن يستمر في حياته الرتيبة أكثر من ذلك، ويحصل أن يشتري في يوم ما مفكرة ليدون فيها مذكراته سراً، رغم أن ذلك يعد في شريعة النظام جريمة عقوبتها الموت، على هذا ينتقي زاوية تبعده عن الظهور في تلك الشاشة التي يراقب منها الأخ الكبير تحركات الجميع.

يزداد تأثير رواية أورويل 1984 الكلاسيكية في الحضارة الثقافية والسياسية والفكرية وينتشر في العالم، خصوصاً أن مغزاها الواقعي لايزال حيوياً وموضوعها لايزال راهنياً حتى في أيامنا الحالية، فعلى الرغم من رؤية كاتبها القاتمة واليائسة، إلا أن التحذير الخانق الذي تطلقه ينبئ بالخطر، الذي لايزال يهدد المجتمع، أي مجتمع من الهيمنة المطلقة لأي حزب أو نخبة على مصير الناس ومستقبلهم.

ورغم أن أورويل كتب روايته بتأثير من تقاليد روايات خيالية وأخرى سياسية ساخرة مثل « رحلات غوليفر » لسويفت و« حينما يستيقظ النائم » لويلز و« My » ليفغيني زامياتين، وبتأثير كبير من رواية « عالم جديد شجاع » لالدوس هوكسلي، لكن تأثيرها الكبير، كما هو معروف، انعكس على روايات عظيمة، منها رواية « فهرنهايت 451 » لراي برادبوري و« البرتقالة الميكانيكية » لأرثر بيرغس، تم تحويل الرواية إلى السينما في ثلاثة أفلام، الأول أخرجه رودولف كارتير للتلفزيون في عام ،1954 والثاني أخرجه ميشائيل اندرسون في عام ،1956 والثالث أخرجه ميشائيل ردفورد في عام .1984 ويبدو أن الفيلم الثاني وظّف، وقتها، إيديولوجياً ليكون فيلم دعاية معادية للاتحاد السوفييتي، بينما عد الفيلم الثالث أكثر أمانة لروح ومغزى الرواية.

يرسم جورج أورويل ببصيرة مدهشة صورة للمستقبل ويعبر عن خوف البشر من الأنظمة الشمولية، ويتنبأ باستخدام وسائل التكنولوجيا والإعلام في « التلاعب بعقول الناس »، وغسل أدمغتهم في عملية طمس الحقائق ونشر الأكاذيب، وخير دليل على بصيرة اورويل هو ما حصل ليس فقط في أكثر بلدان العالم ديمقراطية واشتراكية، إنما ما يحصل الآن ونشاهده في معظم بلدان الوطن العربي.

نبوءات مرعبة، يقول ناعوم تشومسكى « نعم. إن نبوءات أورويل قد تحققت، وإن ما حذرنا منه قد وقع بالفعل، على الأقل في جوهره ».

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

 

تويتر