5 دقائق

يوم خذلتني الفراشات

ميره القاسم

بحصاد إبداعي، لم يتجاوز روايتين وعدداً قليلاً من القصص القصيرة، استطاع زياد أحمد محافظة أن يضم اسمه إلى مجموعة الروائيين الموهوبين الجدد في عالمنا العربي، غير أن زياد يمتلك لغة قوية معبرة، تصل في كثافتها ودقتها وصورها اللافتة إلى حدود الشعرية في أبهى صورها.

«يوم خذلتني الفراشات» هو العمل الروائي الثاني لهذا الأديب الأردني الذي يؤكد أنه ضمن النماذج الروائية التي حذقت هذا الفن وأجادته، وتمردت قليلاً على القوالب السردية المعروفة، إذ استطاع بمهارة فائقة أن يحيك خيوط روايته، ليجسد صراعاً أزلياً بين الحرية التي ينشدها كل إنسان خلقه الله حراً وولدته أمه على هذه الشاكلة وبين السلطة، أية سُلطة متسلطة تفرض القيود، وتضع كل من يخالفها في غيابات السجون. وأكثر ما لفت نظري في هذا العمل الأدبي الرصين ذلك التمهيد الذي وضعه في أولى صفحات الرواية، الذي يؤكد في طيات كلماته أنه مبدع ذو فطنة ودهاء، يجيد اللعب بالكلمات والتشكيل بالحروف، يقول زياد «هذه الرواية ليست موجهة ضد أحد، لكن إن ظن أحدكم أنها تمسه من قريب أو بعيد فليثق تماماً بأنها كذلك».

ظل زياد أحمد محافظة متوازناً إلى حد ما في إعطاء كل شخصية من شخصيات الرواية دورها الفاعل في مجريات الأحداث، لكنه ألبسها في النهاية أثواباً فضفاضة، إذ إنه لم يستطع أن يُحكم قبضته على نهايات الأحداث ويطوعها كما يشاء، بل تفلتت منه الشخوص، وتحركت بالشكل الذي تريد، وهذا في نظري ملمح خطير، لا يحدث عادة بهذا المستوى التلقائي إلا مع الروائيين الذين يتمتعون بمرونة وعفوية وموهبة كبيرة، ما أكسب الرواية طابعاً عفوياً، وجعل النهايات تحتدم وتخترق حاجز الملل والتوقع، يقول زياد في جزء من الرواية: «كيف تتبعت الفراشات واحدة تلو الأخرى، كيف سقتها للقفص، رحت أشرح له بالتفصيل كيف تمكنت من القبض على ثلاث فراشات في خلال ثلاث محاولات فقط، لم يعلق يومئذ كثيراً، تركني حتى انتهيت من فرحتي، ثم تناول القفص من يدي وقال كلمتين مازلت أحفظهما حتى اليوم، دع الفراشات وشأنها، ثم فتح باب القفص لها وتركها تطير، رفيف أجنحتها وهي تحلق هرباً أيقظ في داخلي أشياء كثيرة، لم أكن أعرف أين تختبئ، طارت وكلانا يتفرج عليها، أنا رحت أحلب أولى خيباتي، كنت أود أن أصرخ في وجهه، أن أركض خلف فراشاتي المذعورة، حتى ولو بدموعي، نظرت إليه بأسى ثم تركته وانسحبت لأجلس مكسوراً على عتبات البيت».

إن هذه الرواية التي تندرج تحت مسمى الأدب السياسي، التي تضج بروح المغامرة، تستحق أن تتناولها الأقلام، وتتلقفها القامات النقدية البازغة، لما تحمل من دلالات قوية ترتبط بواقعنا العربي الراهن، وتجسد حالة من أعنف حالات الضمير الحي، بحثاً عن الحرية المثالية التي لا وجود لها في عالمنا الدموي الممض، كما أن عنوان الرواية اللافت «يوم خذلتني الفراشات» جاء خير برهان على مدى نجاح الراوي في كتابة رواية لا يمل القارئ من مطالعتها أكثر من مرة، ولا يشبع الناقد من استخراج جمالياتها المبهرة ودقائقها المستورة ولفتاتها التعبيرية الخلاقة وفنياتها العالية.

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر