أبواب

لا تكذب.. لا تؤذِ الناس!

قيس الزبيدي

كتاب « صناعة الأفلام الوثائقية ـ دليل عملي للتخطيط والتصوير والمونتاج »، تأليف باري هامب وترجمة ناصر ونوس، هو الكتاب السينمائي الثالث، الذي أصدره « مشروع كلمة للترجمة في أبوظبي ـ 2011 »، وهو يتوجه إلى من « يريد صناعة فيلم وثائقي، لأي دافع كان، خصوصاً لأولئك المهتمين بتسجيل السلوك في العالم الواقعي، سواء من أجل إنتاج فيلم وثائقي أو من أجل البحث في أحد المجالات كما أنه، حسب مؤلفه، ليس كتاباً حول كيفية صناعة أفلام نجني من ورائها المال، لأن صناعة الفيلم الوثائقي تستغرق وقتاً طويلاً جداً وتتطلب بذل جهد أكبر من أي جهد تبذله في مشروع آخر تتمتع فيه، ولأن الأفلام الوثائقية (المهمة)، غالباً ما تصبح مهمة مبدئياً عندما يكون هناك شيء ما، يريد شخص ما أن يقوم به، بمنتهى الحماس ».

إن الفيلم وسيلة بصرية، وغايته في المجال الوثائقي هي عرض أشياء للمشاهد تثير جداله البصري، وتشير إلى وجهة تقوده إلى دليل للحقيقة، دليل إلى الحقيقة كاملة، ولا شيء سوى الحقيقة. لأنه، أصلا، ينطلق من موقف يتمثل في كون الحقيقة، التي يروج لها، هي العنصر الجوهري، الذي يمكن توثيقه وإثباته، خصوصا في هذه الأيام التي نشهد فيها سياسة التحزب والخداع والمراوغة.

يتألف محتوى الكتاب من سبعة أبواب تنفتح على تعريف الفيلم الوثائقي وتخطيطه وعرضه وكتابته وتصويره ومرحلة ما بعد إنتاجه، أما الباب السابع فهو مخصص لتسعة ملاحق مفيدة يبدؤها المنظر والباحث التسجيلي المعروف كولن باول بنصيحة تقول « ليست هناك أسرار للنجاح، إنه ناتج عن الاستعداد والعمل الشاق والتعلم من الإخفاق ». وأهم هذه الملاحق هو الذي يعرف بطاقم عمل الفيلم الوثائقي أي كل من يعمل وماذا يعمل في مرحلة الإنتاج ومرحلة ما بعد الإنتاج من المنتج والمخرج وكاتب السيناريو ومدير التصوير ومهندس الصوت والفيديو إلى الشيالين والسائقين إلى المونتير ومؤلف الموسيقى وما هو أيضا مهم هو الثبت الأخير بالمصطلحات والتعابير الواردة في الكتاب.

كثير من مخرجي الأفلام الوثائقية، بدلا من أن يخرجوا لإيجاد الصور التي تظهر للجمهور موضوع الفيلم، يكتفون بعرض مقابلة تلو مقابلة، يتحدث فيها الناس عما يفكرون فيه، أو ماذا يعتقدون، أو ماذا يعرفون وتلك ليست أفلاما وثائقية بل أفلام « كلامية »، وربما أفضل لو يقال عنها إنها أفلام إذاعية!

يميز الكاتب بين الأفلام الوثائقية الرديئة والأفلام التي ليست وثائقية، ويجد أن الوثائقي الرديء يقوم على معالجة حقيقة شيء ما ولا ينجح في كشفها، لكنه يبقى فيلما وثائقيا غير جيد، بينما هناك أنواع أخرى من الأفلام تنتهك حرمة الأراضي الوثائقية، لكننا في واقع الحال لا يمكن أن نعتبرها أفلاما وثائقية.

بوسعنا حقا أن نقول عن الكتاب إنه كتاب مهم للغاية، إن قراءته ممتعة بفضل ترجمته الجيدة والسلسة أيضا، ورغم أنه كتب ليكون دليلا عمليا لصناعة الفيلم الوثائقي، إضافة إلى تعليمه وتدريسه، إلا أنه في الوقت نفسه سهل مفيد أيضا حتى لغير المعنيين بالسينما الوثائقية، في مقدمة الكتاب الثانية يكتب باري هامب « أعتقد أن قوانين روضة الأطفال تصلح مدونة جيدة لأخلاقيات الأفلام الوثائقية: لا تكذب ولا تؤذِ الناس ».

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر