أبواب

«يا خراشي»

محمد المرزوقي

تقول الحدوتة المصرية إن عبارة «يا خراشي» ظهرت لأول مرة في مصر قبل ما يقارب 300 عام، يوم كان الأزهر مؤسسة دينية مستقلة. أي قبل أن يفقد ثقة الشعب به ويتحول إلى مؤسسة سياس ـ دينية تابعة للنظام الحاكم. و«خراشي» ليس سوى الشيخ محمد عبدالله الخراشي، أول شيوخ الأزهر. كان للشيخ هيبة ومحبة في قلوب النّاس ـ وربما سلطة ـ تجعلهم يتوجهون إليه بالشكوى والنداء كلما حلت بهم مصيبة أو تسلّط عليهم ظالم! وفي ذلك دلالة على قوة الجامع الأزهر وقتها وبساطة فهم الناس للدين.

مذ ذلك الحين أصبح أقصر طريق يسلكه الحزب السياسي في أي دولة للاستحواذ على السّلطة هو أن يلبس عمامة الدّين. حتّى لو كان ذلك الطّريق القصير هو أحد الطرق التي تؤدّي إلى كل ما هو مخالف للدّين.

ومن هنا كانت ثورة الخميني، مثلاً، بحسب الباحث يوسف زيدان، ترفع في إيران أيّام استيلائها على السلطة شعار «وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديد»، وهو بالطّبع جزء من آية قرآنية وردت في سورة الحديد، وتم غض النظر عن بقيتها لعدم مناسبتها لما قامت به الثورة من الفتك برموز نظام الشاه، من خلال المحاكم السريعة الحاكمة دوماً بالإعدام! وقد سئل واحد من رموز الثورة الإيرانية عن صحة أحكام القتل والإبادة هذه فقال ببساطة شديدة، مستمدة من السياسة البراغماتية التي انتهجتها الثورة الخمينية: لو كان المقام عليه الحد الشرعي ظالمًا، فقد لقي ما يستحق، وإن كان مظلومًا فسيدخل الجنة!

وهكذا تحوّل الإسلام من دين لعبادة الله، إلى ورقة انتخابية، وبرنامج سياسي، وتنظيم إرهابي. وأي شيء، وكل شيء، يقدم وعودًا بإعادة إحياء الأمة من جديد!

نحن أمة غارقة في الهزيمة، ومثلما يتعلق الغريق بالقشة لينجو من الغرق، نبحث عن أي شيء نتعلق به لينقذنا من هزائمنا، عيدان القش، أرجل الضفادع،أ وأبطال من ورق.

لا يهم إن كان أبطالنا مجرمين، أو مرتزقة، أو مختلين عقليًا. المهم أن يكرهوا أميركا مثلما نكرهها نحن! عندما وقعت أحداث الحادي عشر من سبتمبر أو «أيلول الأسود» كما يسمّيه البعض ـ وكأنّ تاريخ العرب كان أبيضً قبل ذلك الأيلول المظلوم ـ فرحنا لسببٍ واحد وهو كراهيتنا أميركا، وارتفعت شعبية أسامة بن لادن للسبب نفسه، ووصفناه بالشّيخ والمجاهد وسليل القدّيسين، وغيرها من الصّفات التي لم يتصف بها حتى الأنبياء أنفسهم!

كل ذلك لأنّه أشبع بعض رغبتنا في الانتقام من أميركا! ولو كان عداء أميركا هو بالفعل معياراً للإيمان والتّقوى لأصبح صدّام حسين وأسامة بن لادن وتشي جيفارا وفيدل كاسترو هم الأئمّة الأربعة.

مع أن بن لادن وصدام حسين، وغيرهما من الشخصيّات التي قدّسناها، لم يكونا سوى مجرمين، عاثا في الأرض فسادًا وقتلاً ودماراً ، وكأنّهما ما قرآ قوله تعالى «من قتل نفسًا بغير نفس أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعًا».

فكيف من كان يسعى أصلاً لقتل النّاس جميعاً؟

أسامة بن لادن انتهى نهايةً طبيعية، سبقه إليها كل المجرمين والبغاة، لكن متى ستنتهي رحلة بحثنا عن أوهام جديدة نعلّق عليها آمالنا وخيباتنا؟

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر