يا جماعة الخير

صدق المشاعر

مصطفى عبدالعال

ما أروع المشاعر الصادقة حين تخرج بلا تكلف نابعة من قلب لَوعَهُ الهوى وعذبه الجَوى، نراها في آهات قدامى الشعراء قبل أن تصبح صناعة المشاعر حرفة، وأشعار الغرام تجارة، ليتك فقط لا تشعر فيها بمعنى وإنما ترفضها الأحاسيس السوية وتملّها الآذان.

هل من مُعَبرٍ يضارع وصف الشاعر لمعنى المحبة في تعبيره عن عشق مجنون ليلى:

رأى المجنون في البيداء كلباً        فجر له من الإحســــــان ذيلا

فلامـوه علـــــى ما كان منه         وقالوا قد أنلت الكلب نيلا

فقال دعوا الملامة إن عيني         رأته مـرة فيأ حي ليـــــلى

نعم يجرب الإنسان هذا الحب في فترة الخطبة حين يتعلق بعروسه قبل أن يعايشها ببشريتها التي لا تخلو مما لا يخلو هو منه من طبائع البشر، فهو في البداية يحب كل طريق يوصل إلى بيتها وكل اسم يشابه اسمها، ولكن هذا مرتبط بحرمانه من تحقيق شهوته وشغفه بالوصول إلى ما هو ممنوع منه، فإذا تمت المعايشة والمساكنة تبدل الحال حتى لو تولد الحب الحقيقي، فإنه يختلف عن تلك الصورة المرضية التي هي شغف المحروم بأمل مجهول.

أما من قالت تخاطب ربها سبحانه:

ليت الذي بيــني وبينــــك عامر      وبيني وبين العالمــين خراب

إذا صح منك الود فالكل هين        وكل الذي فوق التراب تراب

فإنه الحب المجرد لأن المحبوب جدير بأن يُحب، ترى ما الفارق بين المشاعر في هذه الأبيات وتلك؟ وكيف تصنف كل كلمة حب تخرج منك؟ وما معيار صدقك وما هدفك؟ وما ثمرتها؟ إن كانت كمجنون ليلى فقد نال لقب المجنون، وإن كانت لله حقاً فهو الكريم الذي بشر المتحابين فيه بأن يحشروا على منابر من نور يوم القيامة، وجعل الحب الصادق جوازاً لدخول الجنان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وليس المقصود نوع حبٍ بذاته، وإنما كل حب بين الناس أزواجاً وأسرة وزملاء وجيراناً وأرضاً ووطناً، أوما يكفي أن يعلمنا الصادق صلى الله عليه وسلم أن كل شيء يفعله الإنسان بحب صادق لوجه الله يحسب له صدقة حتى في لقاء الزوج بزوجته يقول: «وفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْر؟ قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ».

ما أحوجنا إلى أن نصدق في مشاعرنا لنكون محترمين في عيون أحبابنا بل وخصومنا، والأهم من ذلك أن نكون محترمين أمام أنفسنا.

هذان الزوجان اللذان كانا على متن مركب صغير فاختل توازن الزوج فسقط، فإذا بزوجته لا شعورياً يختل توازنها وهي على الجانب الآخر فتسقط، أخرجهما الناس فقال الزوج الشفوق لزوجته: أما أنا فقد فقدت توازني فسقطت، فما الذي أسقطك أنت؟أ فأجابت الزوجة المحبة: غبتُ بك عني فحسبت أنك أنت أني!

المستشار التربوي لبرنامج « وطني »

mustafa@watani.ae

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر