أبواب

الإعلام العربي الجديد

زياد العناني

يؤكد الإعلام العربي الجديد الآن تمدد سلطته التي لا تكمن في فضح كارثة الاستبداد الموجودة في بعض الأنظمة الشمولية من خلال الحوارات الاستفزازية والبرامج الوثائقية فقط، وإنما في سرعة وصوله إلى بؤرة الحدث وصياغة الخبر ضمن خطاب مناهض لكل نظام ينتهك حقوق الإنسان أو يرتكب الجرائم بحق شعبه الأعزل.

ويقف في مقابل الإعلام العربي جملة من الصناديق المرئية الحكومية التي قدر لها أن تأخذ على عاتقها مهمة إخفاء عيوب الأنظمة، وقطع الطريق على تعدد وجهات النظر، والتشويش على المشاهد العربي، والعمل ضمن منطقة قلب الحقائق لتكون حاضنة لتوطين القهر، أو جزءاً من تهميش مسيّس يحاول محاربة وتفتيت مكنونات المجتمع المدني أينما وجد.

غير أن دور هذه الصناديق التجميلية قد انكشف أخيراً، لأنه لم يحترم الذكاء العام، واستهلك ماء الوجه وهو يقدم الدروس الوطنية الكاذبة في لجة الإصرار على تلقين مفردات تجتهد كثيراً في مسألة تحريم الحرية، وتجريم الوعي واستظهار المذهب الديني على الدين نفسه، وترسيخ إعاقة جماهيرية يطل منها لكي يدعي أن المواطن لا يميز بين المقاومة والإرهاب، والعدالة وحقوق الإنسان، والديمقراطية والدين والعلمانية، ويؤشر بخبث إلى أنه يعيش مراهقة روحية وفكرية، ولا بد من رعايته ومساءلة نياته وأفكاره، وحشره في دائرة الخطوط الحمراء والممنوعات السياسية.

مكمن المشكلة أن الإعلام العربي الرسمي لم يصبح بعد إعلام الدولة، ولن يصبح ما دام فاقداً تأثيره الحيوي، ومرتبطاً برغبة نظام أو شخص يريد إملاء إرادته، وعزل بلاده عما يحدث فيها.

وعلى العكس من ذلك يظهر تأثير بعض الفضائيات العربية جلياً من خلال قفزاتها على سلطة الرقابة الإعلامية، وتتبع المغامرات الخطرة في النقد والاستقصاء، إضافة إلى قدرتها على التوغل في صناديق البلدان المغلقة، وفتح محتوياتها بالصوت والصورة، واستفزاز الشعوب العربية لتغيير واقعها المؤلم.

بيد أن أهم مفارقة حققها الإعلام العربي الجديد تكمن في اختراقه الإعلام الغربي، إلى الحد الذي أصبحت فيه بعض المحطات العربية مفتوحة في ردهات البيت الأبيض، ومناطق صناعة القرار في العالم كله، على الرغم من أن هذا الإعلام العربي المنافس والخطر لم يحظ في بلاده بأحقيته كسلطة رابعة، معترف بها رسمياً وشعبياً، ولها بيئة تشريعية حقيقية ومتفوقة.

إلى هذا، لا أحد يستطيع أن ينكر أن زمن الإعلام العربي قد تخطى الزمن السياسي، وأفسد عليه استقراره الدموي، وأرهق كل طاقته الإعلامية، وصار مساهماً قوياً في تشكيل الرأي العام العربي، ويمكن أن يستبدل حكومة بأخرى، خصوصاً بعد أن قدم قرابينه في مناطق النزاع، وسجل العديد من الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل الوقوف على الحقيقة، ومواكبة كل جديد في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وأخيراً لا بد من القول إن الإعلام العربي يتجاوز نفسه كل يوم، لأنه عرف كيف يكون مشمولاً بشيوع جملة من الأشكال الاتصالية التي تفوقت على المنع والحجب، وامتلكت عناصر النجاح، خلفيته متأتية من الانتباه التام لموضع المرسل وكذلك المتلقي، والرسالة التي تعد قوة إيجابية يتوجب أن تصاغ بمهنية عالية.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر