أبواب

شائعة

محمد المرزوقي

يمكن اعتبار الكيفية التي تنشأ بها الشائعة، وسرعة تداولها وانتقالها بين النّاس في مجتمعٍ ما، انعكاساً لطبيعة ذلك المجتمع ونفسيّة أفراده. مثلما يكثر الرّعاة في المناطق المرتبطة بالعشب والمطر، والنّجارون عند أطراف الغابات، ومصمّمو الأزياء خارج صالات الأفراح. يكثرُ مروّجو الشائعات في المجتمعات التي يجوز فيها الكذب، ويُمارس من دون حرج على الصّعيدين الفردي والرّسمي. فالكذب ليس فقط أن يقول الشّخص أشياء غير صحيحة، بل هو أيضاً أن يجعل الآخرين يعتقدون أنّ أمراً ما صحيحٌ، في حين أنّه ليس كذلك. ففي دراسة أجراها غوردون ألبورت وجوزيف بوستمان بعنوان «سيكولوجيا الشائعة» ونشرت سنة ،1947 توصّل الباحثان إلى أن المعلومة إذا كانت مجهولة المصدر تنمو بسرعة كلما ازداد عدد متداوليها، بحيث تصبح في النّهاية أقل مصداقيّة عمّا بدأت به!

كان استنتاجهما مبنياً على تجربة عمليّة، قاما من خلالها بنشر خبر لا مصدر له بين مجموعة من الأفراد، ليجدا في النّهاية أن ذلك الخبر قد فقد ما يقارب 70٪ من محتواه بعد انتقاله إلى الشّخص السادس، ليصبح شيئاً مختلفًا تماماً عن ذلك الذي أعطي إلى الشّخص الأوّل.

«يقولون وأخواتها» مصدر كل شائعة! هي الأفعال النّاسخة للصّدق والمحرّضة على الكذب والبهتان. يقولون العالم سينتهي يوم 21 مايو! يقولون وائل غنيم صاحب أجندة ماسونية وصهيونيّة! يقولون ليلى في العراق مريضة.

لم يدر بخلد امرئ القيس للحظة أنّ شائعته تلك ستكبر وتتحول من مجرّد كذبة بريئة إلى ذريعة لاحتلال العراق. أصبحت ليلى هي الشماعة التي علقت عليها أميركا احتلالها للعراق، وأوهمت العالم ـ بسببها ـ أنّ ليلى مريضة بالسّرطان لوجود أسلحة نووية في العراق. فجاءت بجنودها وطائراتها وقنابلها وبنادقها لتنقذ ليلى! بحثت عنها في كلّ مكان استطاعت أن تصل إليه بدبّاباتها. خلف قضبان سجن أبوغريب، في المساجد والأضرحة المقدسة، في بغداد والبصرة وتكريت. ولم تجدها، فليلى كانت في الـ«فيس بوك».

بحسب الإحصاءات الأخيرة فإنّ أكثر من 250 مليون شخص يدخلون الـ«فيس بوك» يومياً. للتّواصل مع أصدقائهم/أعدائهم، أو للكتابة عن هواياتهم التي لم يقوموا بممارستها مطلقًا، للحديث عن تفاصيل حياتهم التي لا تهم أحداً.. ولترويج الشائعات!

لابد إذاً مع هذا العدد المهول من مستخدمي الـ«فيس بوك»، أن يكون هناك على الأقلّ نماذج من كل شرائح المجتمع. فهناك الخريج الجامعي وخريج السجون، الفقير المعدم والغنيّ المنتفخ ثراءً، السّارق والمسروق منه، المعاق وقائد السيارة الذي تسبّب بإعاقته وهرب، «المغازلجي» و«المغازلجية».. إلخ

وليس من المستبعد أن تستقبل دعوات صادقة من واحدٍ من هؤلاء على الأقل. ألا تخيفك مثلاً فكرة أنّك تشارك في صفحة يديرها مجموعة من المجرمين مستعدين لتصفية كل من يخالفهم الرّأي جسدياً؟ وهل تقزّزكِ فكرة أنّك قد تمزحين على حائطكِ مع شخص متهم بخطف سائحة أوروبيّة واغتصابها؟

سنكون أغبياء لو افترضنا أنّ هؤلاء الأشخاص لا يوجدون بيننا، أو أنّ لهم «فيس بوك» خاصاً بهم لا يظهر في نتائج بحث «غوغل» الخاصّة بالأشخاص البريئين! إلى أن تتوصّل التكنولوجيا إلى طريقةٍ لكشف هؤلاء الأشخاص، يجب حبس «مارك زوكر بيرغ» بتهمة إنشاء وإدارة موقع يسمح بإنتاج وتصدير الأشياء السيّئة.

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر