أقول لكم

محمد يوسف

عند اليونان، وبعدهم الفلاسفة العرب، جرى الحديث عن المدن الفاضلة، ذهب اليونان بحضاراتهم، وذهبت الامبراطوريات اللاحقة، ولم تظهر مدينة فاضلة حسب حلم فلاسفتنا، ولكنّ مدناً وحواضر برزت، وأصبحت قبلة للناس في مختلف العصور، هي مفضلة، بل هي الأفضل، لروعتها وجمالها وتكاملها واطمئنان أهلها، والأمن الذي يسودها، مدن أحبها من عاش فيها، وتمنى الأغراب الوصول إليها، من يبتعد عنها يفتقد ميزاتها، ومن يدخلها يتذكر نواقص المدن التي جاء منها أو عبرها.

تذكر البلاد بمن بنوها، من تعبوا من أجل أن تكون حاضرة في ذاكرة التاريخ وسجلات الشعراء والأدباء وكتاب السير والمؤرخين، تلتصق الأسماء ببعضها، وتخلّد الشخصيات بإنجازاتها، ولا يرجع العظماء إلى أحلام الفلاسفة، فهم لا يعيشون في الخيال، بل يجعلون الأحلام حقيقة واقعة وماثلة للعيان، من العدم يصنعون حضارة، ومن حبات الرمال يصوغون قصائد لم يرددها أحد من قبل، تشمخ بهم الهامات، وتكبر الأشياء، يتحول كل ما يمرون به إلى جنان غناء، وتعلو الوجوه قسمات الفرح، فتبتسم الحياة لكل من يطأ أرضها.

في كتب التاريخ قد تجدون ذلك، بالوصف تعيشون بين جنبات المدن التي بناها الكبار، ومن شواهد الحاضر ترون ذلك، بأم العين، لا نقلاً عن فلان الذي قال طمعاً في منحة أو رضا، تمشون بين علاماتها المميزة، تعايشون روعتها ، بلاد من أقصاها إلى أقصاها تحكي قصة الكبار الذين لايزالون يبنون حواضر لا تتكرر في أماكن أخرى، فإرادات الرجال لا تتكرر، وعزم الرجال لا يتكرر، وجهد الرجال لا يتكرر، وكذلك عرقهم، فإن عرق العظماء ينبت حضارة عظيمة، هي الأروع في العصر الحاضر، من بين كل مدن العالم نبتت على هذه الأرض مدن يحلم بها أحفاد أفلاطون ومن بنوا عجائب الدنيا، نرى بريقاً في عيونهم عندما يعرفون أننا من هذه المدن، فهم يسمعون الحكايات والروايات عنها، عن روعة هذه البلاد، عن أمنها واطمئنان أهلها، عن تسامحها مع كل من تلامس رجله أرضها، عن أحلام تتحقق كل يوم بين جنباتها، وعن رجال صنعوا المعجزات ولايزالون، رجال أحبوا ناسهم فقدموا لهم ما لا يقدمه غيرهم، فقابلهم الناس بالثناء والولاء والوفاء.

myousef_1@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر