أبواب

مقاربات جدلية

قيس الزبيدي

احتفت الجزيرة الوثائقية في مهرجان الجزيرة السينمائي التسجيلي السابع، الذي تقيمه الجزيرة الإخبارية، بإصدار كتابها الثاني «الفيلم الوثائقي.. مقاربات جدلية»، الذي جاء، كما الكتاب الأول، نتاجاً لكتابات مجموعة من الباحثين في مجلة الجزيرة الوثائقية الإلكترونية على مدى عام كامل، ونُظّمت بهذه المناسبة ندوة على هامش المهرجان عن «التيارات السينمائية التسجيلية»، قدمها قيس الزبيدي، وندوة ثانية شارك فيها مدير قناة الجزيرة الوثائقية أحمد محفوظ، ومنسق الكتابِ حسن مرزوقي، وتحدث فيها الروائي والباحث الوثائقي، انطلاقاً من موضوعات الكتاب ومحاوره الثلاثة، عن أهمية توثيق الزمن الماضي القريب والبعيد والأبعد، وجهود حفظه في الوسائط المختلفة، الأدبية والسينمائية. والدكتور نفسه كتب مقدمة الكتاب الثاني، وقد سبق للمخرج توفيق صالح، أن كتب مقدمة الكتاب الأول.

يتألف الكتاب من محاور أربعة، أولها حول «جدلية الجمالي والأيديولوجي»، وثانيها حول جدلية «العلم والفن»، وثالثها حول «الوثائقي والعولمة»، ورابعها حول «هوامش الفيلم الوثائقي». وتلقي دراسات محاور الكتاب وبحوثه المعمقة أضواء قوية على التسجيلي/ الوثائقي، الذي بدأ يتطور عربياً وينتشر مع فورة البث التلفزيوني الفضائي وتعدد قنواته، إذ أصبحت المهرجانات تخصص لمناهجه وتياراته وسبل صناعته ندوات وورشات عمل، خصوصاً بعد أن أسست الجزيرة منذ أكثر من أربع سنوات فضائية تُعنى بالفيلم الوثائقي، وتبرمج بث أفلامه العالمية، وتقوم بتخطيط إنتاجه العربي.

لاتزال أهمية السينما كونها اخترعت لإعداد نسخة طبق الأصل عن الحياة، وكما هي الحال في كل وسائل التعبير الفنية، تكون العلاقة الحاسمة في أي من الفنون هي قضية رصد «موضوع» الواقع فنياً، عبر رؤية «ذات» تستقي صور موضوعها من الحياة، وتعيد خلقها وفقاً لتصورها الخاص، من هنا يأتي تلاعب الأيديولوجيا وتأثيرها في رسم صورة الواقع في السينما الوثائقية من طبيعة العلاقة بين ثلاثة مكونات أساسية هي: التصور والصورة والوسيط. فالتصور أداة فكرية تولد مخيالها الخاص، وتحدد علاقة الصورة بالواقع من حيث هي علاقة بين ذات مُتصورة وموضوع مُصور، بينما يحدد الوسيط عملية تسجيل موضوعات من الواقع المادي، إما بالاتساق أو بالتعارض مع طبيعته «الواقعية».

وقد سبق للناقدة انيه كون أن عالجت في مجلة الشاشة الإنجليزية مسألة التصور والصورة عبر الوسيط، وحددتها في اتجاهين، أولهما ما سمته «الكاميرا-أنا»، والثاني ما سمته «الكاميرا-عين»، وعنت في الأول تدخل الذات بقوة وحضورها في تشكيل الموضوع ومغزاه، وأعادته إلى ذات الفنان، بينما عنت في الاتجاه الثاني حضور الموضوع القوي وأعادته، بهذا القدر أو ذاك، إلى غياب ذات الفنان. وللمرة الأولى نرى على شاشة الفضائيات حضوراً لصور حركة تغيير واحتجاجات ثورية تشهدها منطقتنا العربية، استطاعت أن تسقط أنظمة وتستمر في إسقاط أنظمة أخرى، من دون أن نعرف، أو يهمنا حتى أن نعرف، من الذات التي صورتها، فقط نعرف أنها صور سجلها وسيط هاتف نقال، أثناء ما كانت ذات حامله تلتحق بالجماهير، وتغيب في ذوات جماهير الشعب، ولم يكن هدفها سوى حضور وبث صور تنتصر للثورة الشعبية، التي تستمر وتنتشر في أرجاء الوطن العربي.

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه . 

تويتر