أبواب

هشاشة الدومينو

زياد العناني

يبدو أن واضعي السم الأسود في قهوة الكواكبي بعد تعريته لطبائع الاستبداد لم يذهبوا في طيات التراب وظلوا لأكثر من قرن أحياء وبمعابر مفتوحة تطل على ساحات التصفية وتمارس اغتيال الوعي ورسم السياسات بالدم، الذي قال نيتشه إنه «أسوأ شاهد على الحقيقة».

أبداً لم يتبدل شيء على حراس الاستبداد باستثناء ملابسهم وأدواتهم وطرق تأسيسهم لشرعية وجودهم السياسي القائم على رغبة أكيدة منهم في ان يظلوا دائماً أبناء غير شرعيين لمفهوم الوطن في كل زمان ومكان.

لا يختلف اثنان على أن معظم السلطات العربية قامت ببناء قلاعها بحجارة الاستبداد وعلى أسس جاهلية أبقت البلدان في حالة ما قبل الدولة وما بين العشيرة والأبوة وما بين العبد والسيد طوال مرحلة زادت على القرن وهي تنكفئ في سوادها.

فلا عجب أن تتضخم «الأنا» في زعامة البعض وتقلب حتى الحركة الفيزيائية للشعوب لتشهد وتبصم بالعشرة بأنها مجرد عيّنة من كليانية الزعيم، وتؤكد لنفسها أن الجاذبية التي تستقر بالناس والأشياء على الأرض قد تركت وظيفتها الأزلية لترفع بعض الزعماء إلى مكانة الغيم أو رؤوس الجبال بناء على أنهم يملكون صفات لا تتوافر إلا فيهم وليس لها علاقة تذكر بما قاله جون لوك حول الحق الطبيعي للإنسان في الحياة والحرية والملكية وضرورة حماية هذا الحق المقدس بوصفه بنداً من بنود العقد الاجتماعي.

لأكثر من قرن ونحن نرى قادة على هيئة كائنات طهرانية يسبحون في فضاء خاص وتطل صورهم من القمر وتطير بهم محفات كونية حتى إننا صرنا نخلع عليهم صفات جعلتهم يصدقوننا وجعلتنا نخذل أنفسنا بطريقة مناسبة ونعيش بجروح كبرى لم يكتب لها الالتئام ما انفكت تؤكد بؤس لوحتنا المرسومة وتقول لنا حتى لو تم رسم هؤلاء القادة بكل الألوان سيظل الفحم حاضراً!

ووفقاً لهذه المعادلة لم نر الآدمي في الرأس المفترض للنظام ولم يرنا فعاش وعشنا في العماء، ونحن ندور صناعة الخوف مثل رغيف في نار التباطؤ والتواطؤ والملل حتى انكشفت سوءاتنا في ربيع الثورات العربية، وفهمنا أن قوة البوعزيزي أكبر بكثير من قوة الطغاة، وأن كل نظام مفترض أو مفروض سوف يتساقط مثل قطع الدومينو بين يدي المظلومين.

وبعد هذا التساقط لابد من القول إن حالة الإغماء الشعبي قد انتهت كما انتهت معها صنمية الزعيم ولم يعد بإمكاننا ان نجامل سلطته أو نجدد مخزونها بالرجوع إلى الأسوأ.

والآن ومنذ أن ظهرت قوة البوعزيزي لم يعد هناك مكان لأي ذريعة قد تحصن الأنظمة أو تقفز بها لكي تتجاوز التاريخ والجغرافيا، ولم يعد هناك من يخاف من الذئب ومن مآسيه واكراهاته التي تؤشر نحو الأنياب لأن الشعب الذي كان أدردا صار له أنياب وقواطع بعد تسونامي التغيير، ولن يعود إلى منطقة سوء الحظ بما فيها من تنكيل وفساد وشرطة ومخابرات، وسيكون من المستحيل وأد دوافعه الحيوية كما سيكون من المستحيل ايضاً تخديره أو اللعب الإجرامي بدمه في المعتقلات وفوق اسفلت الشوارع.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر