يا جماعة الخير

معك.. يا فضيلة المفتي

مصطفى عبدالعال

مبهوراً بمقولة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «اللغة العربية مكون رئيس للهوية الوطنية»، قال فضيلة الدكتور أحمد الحداد أمس، في هذه الزاوية ضمن مقال رائع متماسك عن لغة عروبتنا وهويتنا وإماراتنا الحبيبة: «هذه اللغة التي عَدَت عليها العوادي في مبناها ومعناها، فتنكرت لها المناهج، وتجنبها التخاطب، وتغيرت لها الكتابة والمراسلة، وتنكبها التعامل المادي والاجتماعي، وحل محلها في كل هذه الحقول لسان دخيل، غدا عنوان المدنية والحضارة الإنسانية في زعمهم، ونسوا أن من ليس له ماض فلا حاضر له»، إنها لكلمات تستحق أن تكتب بماء الذهب، وتعلق في كل زاوية لوزارة أو دائرة أو مؤسسة أو بيت، وأن يرددها كل عربي على هذه الأرض العربية صباح مساء كأوراد الذاكرين، فلغة لقرآن ذكر ينبغي أن نذكر به أنفسنا ونُزْكِي به الروح في هويتنا. تَنَكرَتْ لها المناهج: ليس فقط، بل إن الأبوين يلزمان أطفالهما بالترفع عن الحديث بها، والتعود على غيرها، حتى في البيت. وتَجَنبها التخاطب: وما أعجب أن يكون حديثٌ عقب الصلاة في المسجد بين عربيين وحوارهما أكثر من نصفه بغير العربية. وتغيرت لها الكتابة والمراسلات: حتى أصبح من لا يجيد اللغة الأخرى جاهلاً حين تقدم له أوراق لتعبئتها والتوقيع على مضمونها، فيتساءل عما تحوي، كما يتساءل الأعمى عن طريق، وحتى وهو يدخل مطعماً فإنه يختار طعامه بالصورة، تغطية لجهله. وتَنَكبَها التعامل المادي: ذكرني فضيلته بمشهد مضحك يوم رافقت فقيهاً دُعي إلى أمر عائلي بين زوجين عربيين أصيلين، فكان الشيخ بين عبارة وأخرى يسأل الجالسين عن معنى ما يسمع، حين عجز الزوجان عن ترجمة بعض ما يقولانه إلى اللغة العربية. بقدر جمال هذا الكلام، وبقدر تعجبنا جميعاً مما آلت إليه الحال هل تستطيع أنت أيها القارئ العربي الجميل أن تبدأ في التصحيح؟ وأختصر فأقترح: في مجال مؤسساتك الخاصة أعد طباعة أوراق التعامل والإيصالات باللغة العربية، وإن كانت لك معاملات مع أهل اللغة الأخرى فلتكن مطبوعاتك باللغتين، مع تنبيه العرب دائماً إلى تعبئة الأوراق بالعربية، من باب الولاء لهويتنا. في مجال الدوائر العامة قد كفانا صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، حفظه الله وأيده، حين عمم على كل الدوائر والمؤسسات، حتى المطاعم، استخدام اللغة العربية لغةٍ أماً ومعها الأخرى لإخواننا من غير العرب، فإن وجدت في دائرتك سهواً عن هذا التعميم فذكّر بالحسنى، فالقضية تحتاج فقط إلى تذكير في مجال التخاطب مع أهل بيتك ومحيط عملك وأصدقائك، أقصر لغتك الأخرى على أصحاب اللغة الأخرى، أما العربي فعوّده على المحادثة بلغتنا، وتوقف معه ضاحكاً مع كل عبارة غير عربية، مترجماً له إياها لينتبه.

وتجربتي مع عائلتي بالعمل، وهم زميلاتي وزملائى ورؤسائي، جعلت كل اثنين عربيين في حوار بغير العربية حين ينتبها لوجودي يقطع أحدهما الكلام ضاحكاً ليرجع إلى العربية، فيضحك الجميع في جو من المحبة والألفة والاحترام والولاء،لأنها أولاً وأخيراً لغتنا، وكلنا فعلاً يحبها، وإنما اضطرتنا طرق التعليم في الداخل وبالخارج إلى استبدالٍ غير متعمد. فهلم إلى استبدالٍ متعمد نرجع به إلى هويتنا.

المستشار التربوي لبرنامج « وطني »

mustafa@watani.ae

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر