كل جمعة

«جمعة» الأمل

باسل رفايعة

هذا هو يوم الجمعة، اليوم الذي لم يعد عطلة رسمية للاسترخاء والضجر في كثير من البلاد العربية، لم يعد كما كان في قديم الزمان القوميّ، يوماً لنوم ثقيل، بعد خميس متعب، يوماً للتثاؤب والطعام الدسم، والكلام العائلي المعتاد، يبدأ كئيباً، ويمرّ كسلحفاة هرمة، لينتهي بمسلسل تلفزيوني كثيف الملل.

منذ محمد بوعزيزي تغيّر يوم الجمعة، أصبح يوماً رسمياً لدوام الشارع العربي على امتداده واتساعه، الجموع البشرية تسير تحت لافتات وهتافات وأهازيج، وحركة المرور صعبة، والجميع في ورشة ضخمة للعمل: الصحافيون، المصورون، الشرطة، وفي بعض الدول الأطباء، وسيارات الإسعاف، حيث لا تنفع قنابل الدموع وخراطيم المياه، وحيث الأنظمة يسوؤها أن تداوم الجمعة، فتقرر أن تكون دامية، وتعاقب المتظاهرين بالرصاص الحي والقناصة الذين يظهرون فجأة، ويختفون فجأة، كأنهم أشباح، ثم يدعي إعلام العصر الطباشيري أنهم «مجهولون».

حتى بالنسبة للشعوب التي لا تصحو في هذا اليوم مبكراً، ألتنشد الحرية في هتاف «محكوم بالأمل» خلال مسيرة أو اعتصام، فقد باتت الجمعة مناسبة أسبوعية للحماسة، وللجلوس أمام التلفزيون، لمشاهدة جباه الشباب الذين يحثون الشمس أعلى الانتباه إلى سطوعهم الجميل في ليلنا العربي الطويل.

ذات جمعة، هرب زين العابدين بن علي من حريق محمد بوعزيزي، وفي جمعة قريبة تنحى حسني مبارك على هدير ثورة 25 يناير، فيما العرب من المحيط إلى الخليج ينتظرون كل جمعة أن يسقط النظام الإجرامي لمعمر القذافي، وفي كل جُمعة يصعد النشيد المبدع «الشعب يريد..» بين «إصلاح» النظام أو «إسقاطه»، ليسمع من كان يظن أن الشعب لا يريد سواه، وليسمع من كان لا يعترف إلا بالمسيرات المؤيدة، أو بمسيرات مكافحة التدخين.

هنا الشارع في كامل الدوام والحضور، يتهيأ للخطى والقبضات والأكف والحناجر، فقد فات الأوان، ولم يعد بالإمكان إلغاء يوم الجمعة من التقويم العربي، لا يمكن طمس الشوارع من خرائط المدن، مثلما يستحيل حذف الميادين العامة التي تصب فيها الشوارع، كأنها أنهار تسارع إلى تمارين صباحية كلّ جمعة فيرتبك الكسل الرسمي، يرتبك إلى حدّ الشفقة التي تبدو على هيئة محافظ مدينة عربية طالبَ رئيس بلديتها بزراعة كل «الدواوير» والميادين والساحات الكبيرة بالأزهار والنباتات، ومنع السكان من الاقتراب منها، حفاظاً على جمالياتها. يا له من محافظ رقيق القلب مشغول بحراسة الجمال فقط.

يوم للأطفال أيضاً، يحثون الخطى مع آبائهم وأشقائهم مبكراً، مثل ورود مبللة بندى الربيع العربي الجديد، على جباههم وأكفهم وسواعدهم نقوش لم يعرفها العرب إلا منذ شهور: «ارحل»، «حرية»، «كرامة». أطفال الجمعة الذين يُجرحون في المسيرات، يهتفون في نداء صارخ إلى المستقبل، ليحضر على عجل، فهم يكبرون أسرع من المستقبل نفسه، وعليه أن يكابد ليكون معهم.

اليوم هو الثامن من أبريل، فهل يدخل التاريخ، ويكون جمعةَ رحيل؟ فقد ارتبط هذا اليوم أخيراً بأوصاف أسطورية: جمعة الخلاص، وجمعة الغضب، وجمعة الأمل... ولا ريب أن الجُمع آتية بما يليق بها من أوصاف ونعوت، فنحن مثل سائر البشر «نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلاً».

baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه .

تويتر