أبواب

حكمة الديناصور

قيس الزبيدي

«من لا يتطور ينقرض» حكمة يستنتجها الكاتب باسل رفايعة بسخرية موحيّة من انقراض الديناصور، ورب سائل يسأل: ما الديناصور في الحقيقة؟ في «عالم المعرفة» نقرأ: «شاعت الديناصورات في الأرض خلال ثلاثة عصور، في حقبة الحياة المتوسطة، وهي حقبة امتدت إلى 248 مليون سنة مضت، وحكمت فيها الديناصورات الأرض، قبل أن تختفي إثر تداعيات نيزك هائل ضرب الكوكب الأرضي، قبل 65 مليون سنة خلت». وهكذا احتاج هذا الحيوان إلى قرون طويلة، لترحل هياكله وعظامه في النهاية إلى المتاحف!

دعونا نحاول أن نستعير «رؤية شيء ما بوصفه شيئا آخر» كما فعل رفايعة، عندها سنجد الديناصور، حينما نفيق من نومنا، لايزال موجوداً. كيف؟ بهيئة آدمية، كما نراه في أفلام الرعب التجارية. من هنا خطر ببالي أيضاً أن أعود إلى كتاب «أيها القناع الصغير.. أعرفك جيداً» للروائي الغواتيمالي أوغستو مونتيروسو، ترجمة يحيى علوان- دار كنعان- الذي يضم قصصاً وقصائد نثر ومقالات تشكل في كليتها نسيجاً يزخر بثروة غزيرة من الاستعارة الرائعة. واللافت للنظر فيها هو روح فكاهة وسلاسة أسلوب، تخفيان ذلك الحذر الذي تُموهه الحيوانات وتخفي نفسها بشكل جيد، وتتخذ فيه مظهراً خادعاً، ويعرف الكاتب بنفسه قائلاً: «إني حيوان حذر ومُموه، وأَدأبُ على ذلك دأب النمل -بدافع من الخوف طبعاً- كي لا أعطي القراء وأصدقائي فرصة للهجوم علي». لهذا نجده يكثف قصصه وحكاياته المصاغة بتكثيف الاستعارة والرمز. يقول لنا غابرييل غارسيا ماركيز: «أنصحكم أن تستسلموا وترفعوا أيديكم عند قراءة هذا الكتاب، فخطورته تكمن في الحكمة المتلصصة خلف كلماته، وروعته القاتلة في الجد المتلبّس لبوس الفكاهة والهزل». جوابا على من ينزعج من أتباع الديناصور ويحتج: أين ذهبت المناهج والمدارس والجامعات التي فتحناها لتدريس الأمية حتى نفاجأ بهؤلاء الشباب الطالعين من أجهزة الكمبيوتر؟ عليه أن يعود إلى قناع مونتيروسو: «قبل زمن غير قريب، وفي أحد أَحر أيام السنة، دخل مدير المدرسة فجأة صفاً كان فيه الصرصار يلقي على الصراصير الصغار محاضرة في الغناء والموسيقى، كان فيها المعلم يقول إن صوت الصرصار أحسن وأجمل الأصوات، لأنه يصدر عن احتكاك جوانب جناحيه، في حين أن الطيور تغرد بشكل رديء لأنها تستخدم الحنجرة، وهي أحد أعضاء الجسم البشري، التي تعجز عن إصدار أصوات جميلة ومحببة، سمع المدير ذلك، وكان هو نفسه صرصاراً حكيماً، هزّ رأسه مرات عدة معبراً عن ارتياحه، وخرج مطمئن البال لأن أمور المدرسة تسير بشكل حسن كما كانت في زمانه».

إن أول ديناصور، تقول المعارف، كان يشبه أسلافه الزواحف، التي تشبه، بدورها سحلية تمشي على مؤخرة أرجلها، وإن حجمه كان بحجم الديك الرومي، وبمرور الزمن نمت فصيلة أخرى منه، بلغ طولها 20 قدماً، وزاد وزنها عن وزن الفيل، لكن رؤوسها بقيت صغيرة، ولعلها انقرضت بسبب هذا الخلل البيولوجي، كما ينقرض الآن أحفادها من المخلوقات المماثلة، بسبب الخلل البيولوجي نفسه؟

يبقى أن نسأل: هل إذا عمل «الديناصور» رجيماً يصبح سحلية؟

alzubaidi0@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر