أبواب

طهارة الأسلحة

زياد العناني

لم يتوقع المواطن العربي أن يأتي اليوم الذي يرى فيه أن الأسلحة التي كانت تشترى بماله، بحجة حماية التراب الوطني، والتصدّي للعدو والتوازن الاستراتيجي والحروب الباردة والساخنة، سوف ترتد إلى صدره، وليس إلى صدور الأعداء. مليارات عربية كثيرة تم حرقها في شراء خردوات استهلكت، أو فقدت قيمتها التكنولوجية، لحماية الأنظمة بدلاً من أن تخصص لمشروعات تنمية يديرها عقل بلا محنة، يعرف جيداً كيف يحقق من خلالها جملة من الإنجازات التنموية والاقتصادية!

الأنظمة القديمة التي لم تستكمل أسباب نقصها، أو الأنظمة التي ليس لديها مادة مقاومة للصدأ، لم تخض حرباً واحدة، وليس لها عدو سوى الشعب، وان كانت هذه العداوة ما انفكت تتخفى في فحمة الليل، وتتعامل مع الواقع بطريقة مضمرة.

غير أن هذه العداوة بدأت تتضح منذ لحظة الاستهتار التي قدر فيها أن يقتل أول مواطن بهذه الأسلحة وسياقها الوطني بدم بارد يفضح حجم الأمان المطلوب، في ظل سلطة استبداد سياسي جعلتنا نشك في طهارة السلاح كثيراً، مادام الزعيم فيها يولد جنرالاً، ويصير ساحراً يمكن أن ينوم الشعب كله في كف اعلان حالة الطوارئ بإشارة من يده.

في الدول النامية، لا يختلف اثنان على فهم مقولة فاليري التي تفاجئ حتى اللغة: «الأسد هو مجموعة من الخراف المهضومة» لأنها تنطوي على توصيف حقيقي لكل ما فقدناه في بطن الأسد الذي صار يجب أن نتصدى لنزعته التنكيلية، كما يجب أن نتصدى لخوفنا الذي يعرب عن تفاؤله الدائم بأن الضحية آتية إلى عرينه بلا ممانعة وبلا تعب.

في الشعر مثلاً لا يحبذ الرجوع إلى الواقع، ولكن في السياسة يحبذ الرجوع، والارتباط الكلي بالواقع الذي قال ولايزال يقول: إذا أراد حاكم ما أن يتقوى في حكمه، ويجد موطئ قدم في الدائرة الشعبية، فلابد أن يفتح قصوره المغلقة، ويسقط من قاموسه مفردات القمع والاضطهاد والمعتقلات والصلف والتطاول والكبرياء الكاذب، ويخضع نفسه للمساءلة والمحاسبة. فالحكم فن قيادة، وصلة رفيعة لا تعني قهر الناس، واعتقال أحلامهم، وتهديد حياتهم، ودفعهم إلى إضرام النار بأجسامهم، والحكم أيضاً تاريخ عام يعزز مفهوم المواطنة، ويستبعد مفهوم الرعية، وليس تاريخاً شخصياً لحاكم لا يرى سوى أنفه، ويتوهم أنه يستطيع أن يحطم القوى الوطنية بالجيش الخاص والأمن، أو بالمرجعيات التي تتخفى وراء الأديان والوعاظ، وكل الظواهر الغيبية والميتافيزيقية.

لعل منطق «الدكتاتورات» المتجبرة التي رسخت بأفعال سالار وفرانكو وغيرهم، قد أصبحت خارج التاريخ، وهذا هو المآل الحتمي لكل من يرغب في أن يحكم الناس بقبضة حديدية، أو بدبابة تطلق النار على الصدور العارية، من دون أن يكتشف أنه يصافح الجريمة والخطأ، أو يكتشف أن الحكم الناعم لا يعني شخصية مستلبة الإرادة، بقدر ما يعني شخصية ناضجة تستند إلى الفكر السياسي، وتتفهم التعددية، ولا تعتبر تداول السلطة طواعية ومن دون إكراه صفقة خاسرة، لأن الصفقة الخاسرة بالفعل هي صفقة من ينكر الشاهد الشعبي، ويحوله ذهنياً إلى افتراض صامت بلا نفس تواقة للحرية، كما أنها صفقة خاسرة لمن يلوث السلاح الوطني، ولا يرحب بقبول الاختلاف.

zeyad_alanani@yahoo.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر