في الحدث

«عنيد» ليبيا

جعفر محمد أحمد

هناك الكثير من أوجه الشبه بين أحداث ليبيا الحالية وما جرى في العراق عام ،2003 على الرغم من الفارق والتباين في الحالتين، فالمتابع لمجريات الأحداث من عمليات عسكرية وقصف وتدمير يرى في ليبيا أو زعيمها العقيد معمر القذافي صورة مكررة لما شاهدناه في عراق صدام حسين، من حيث التحدي والاصرار على المواجهة غير المتكافئة التي تحرق الاخضر واليابس ونهايتها دمار وهلاك للوطن والشعب. عقيد ليبيا أو بالأحرى «عنيدها»، يكرر الآن سيناريو المهيب صدام باختياره طريق التحدي مستخدماً الخطب الحماسية لإلهاب الجماهير وهو يعلم تماماً نهاية هذا التكابر.

القذافي الذي جرب معاداة الغرب واللعب على حبل التحدي معهم، رأى ما حل بالعراق في أعقاب غزو عام ،2003 لكنه لم يتعظ، ولم يفهم الدرس عندما واجه ثورة داخلية رفعت شعار الرحيل مطلباً شعبياً رئيساً، بعد أن ظل في السلطة لنحو 42 عاماً، وتجاهل ما حدث في تونس ومصر وما حل بالرئيسين السابقين زين العابدين بن علي وحسني مبارك.

لقد حول «العنيد» القذافي بكبريائه وصلفه الانتفاضة الشعبية في ليبيا الى حرب أهلية مدفوعة الثمن بين الليبيين أنفسهم، ما جعل المشهد يختلف تماماً حيث انشطر البلد إلى نصفين، وأصبح ساحة للتدخل الغربي بأجنداته المعلنة والخفية، ووجد القذافي نفسه في مواجهة مع تحالف عسكري مدعوم من الأمم المتحدة، وبدلاً من الرضوخ اختار الصدام، وحاول عبر «صحاف» جديد تقمصه وزير الخارجية إبراهيم موسى، ونائبه خالد كعيم، إعطاء بيانات تتجافى والحقيقة المشاهدة على القنوات الفضائية، كما فعل محمد سعيد الصحاف وزير الإعلام الذي أدار الحرب الإعلامية العراقية إبان الغزو.

وكما فعل صدام، صور العقيد نفسه باعتباره الزعيم الساهر على مستقبل شعبه، وان بلاده تتعرض لخطر حملة صليبية استعمارية غربية.

لقد أخطأ العقيد عندما وصف الثوار بأنهم مجموعة من الجرذان ومتعاطي حبوب الهلوسة، وأخطأ عندما تصور أن الشعب الليبي بأكمله رجالاً ونساء وأطفالاً يحبه ويجله ويقف من خلفه ويفديه بروحه.

لاتزال الفرصة متاحة أمام العقيد ليكون «معمر» ليبيا وبانيها لا أن يكون «مدمر» ليبيا بإصراره على تحدي آلة الغرب العسكرية.

فالتاريخ يسطر ويكتب وحتماً لا يرحم من يصر على التضحية بشعبه في سبيل الاحتفاظ بالسلطة.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر