يا جماعة الخير

هل الزواج للهجر؟

مصطفى عبدالعال

هل من حق الرجل إذا اغتنى أو نال منصباً أن يتنكر لرفيقة عمره أو أم أولاده ويهجرها هجراً غير جميل إلى زوجة جديدة لمجرد التغيير؟ وهل يجيز الشرع للرجل أن يتنقل بين النساء مذواقاً ومطلاقاً لمجرد أنه رجل قادر، ويجعل من الشرع شماعة لمغامراته؟ أم أن الله قال لمن أراد أن يطلق زوجته قبل الدخول بها: {وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِن اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ؟ فكيف بمن دخل وعاش سنوات وأنجب أطفالاً؟

إذن ليس المنصب الجديد مبرراً ولا النقلة المادية حتى لو كانت النقلة عكسياً حين ينتكس مادياً فيلجأ إلى أن يتزوج امرأة لمجرد أن معها المال الذي يحل مشكلته، ولن تدوم السعادة بل ولن يدوم هذا الزواج كما أخبر الشرع الذي أباح التعدد، لأن الهدف من الزواج المودة والسكن وليس مال الزوجة أو مجرد الاستمتاع بها من دون مودة وسكون.

عدّد النبي الأزواج، بل خصه الله باستثناء في العدد، لكنه ما تزوج بكراً إلا أم المؤمنين عائشة، وفي كل زيجاته هدفان: المودة والسكن، مرة لتتكاتف القبائل بمصاهرته، ومرة ليجبر الأرملة، ومرات لتربية اليتامى في بيته، فهل منا من يقدر على ذلك؟ تزوج أم المؤمنين سودة رضي الله عنها وعندها ستة أبناء، وهو معه أبناؤه من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، وكانت السيدة سودة زوجته الوحيدة لما جاء مهاجراً إلى المدينة، وبقيت كذلك حتى تزوج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في السنة الثانية من الهجرة بأمر من الله إكراماً لأبي بكر الصديق، ثم تزوج أم سلمة في السنة الرابعة وكان عندها ثلاثة أبناء، ثم تزوج أم حبيبة في السنة السابعة وكان عندها ابنة، فكانت حجراته مملوءة بالأطفال صلى الله عليه وسلم .

لا شك في أن التعدد نعمة تحل كثيراً من مشكلات المجتمع، وللخالق سبحانه حكمة قد لا تظهر للبعض، وقد تكون ثقيلة على البعض لأنها في غير مصلحته ظاهراً، ولكن لن نختلف جميعاً على أنه شرع الله الذي أذن به، ووضع شروطاً وشرط العدل أهم وأول شروطه، فقال: {فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم منَ النسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَة}، وبين خطورة المخالفة فقال {ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُواْ}، ( أي تجوروا ). [النساء: 3].

وكم من زوجين عاشا بالحب عمرهما كاملاً من دون إنجاب ولا خلاف، ورفض القادر على الإنجاب منهما أن يتزوج ثانية رغم أن الشرع أعطاه الحق، وآثر على الإنجاب العشرة الطيبة، لأن أنس العشرة جمع بينهما فكان زواجهما آية {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم منْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم موَدةً وَرَحْمَةً إِن فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لقَوْمٍ يَتَفَكرُون}. [الروم: 21].

فلو أن كل واحد من الزوجين قدم أولاً واجباته نحو الآخر قبل أن يطلب منه حقوقه، ولو أنهما تعاونا على تدارك أسباب الخلاف قبل النفور لاقتصر التعدد على أسبابه المشروعة، وما رأينا زوجاً ينتهز فرصة غناه أو علو منصبه لينتقم من شريكة عمره بالزواج.

المستشار التربوي لبرنامج « وطني»

mustafa@watani.ae

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر