أبواب
لئلا ننتظر سنوات أخرى!
المفارقات في الثورات والانتفاضات العربية، هي أنها جميعاً بلا رؤوس، فقد اعتاد المواطن العربي الانقلابات المدبرة، واعتاد صعود بعض الأحزاب هنا وهناك، فأمسكت بعض الانقلابات بالسلطة، وكذلك بعض الأحزاب، ولكن النتائج كانت ولاتزال ماثلة على امتداد نصف قرن أو يزيد.. مزيد من التسلط والقهر والظلم والاستبداد والطغيان، ومزيد من التهميش الناجم عن اتساع الهوة الطبقية، إلى الحد الذي كادت الطبقة الوسطى أن تختفي، وتقتصر المجتمعات على طبقتين فقط، الطبقة البورجوازية المتحالفة مع السلطة السياسية، والطبقة المسحوقة المتحالفة قسراً مع الخوف والرعب والذل.
هذه الثورات والانتفاضات العربية الجديدة، أسست لتغيرات اجتماعية وسياسية وثقافية مغايرة. فقد اكتشف الشعب خلال تجاربه المتراكمة، أنه كان وقوداً لنار يشعلها الآخرون، وتضيء طريقهم لا طرقات الناس البسطاء. وقد اكتشف الشعب خلال تلك التجارب، أنه ما من أحد وظف قدراته ـ قدرات الشعب ـ إلا واستفاد من هذا التوظيف، وألقى بهموم الناس خلف ظهره.
كانت هذه الطاقات الكامنة في الشعوب، هي مصدر القوة التي وظفها الآخرون. وما يحدث في هذه المرحلة التاريخية، هو أن الشعوب الآن استوعبت دروس التغيير كلها، فهبت وحدها من دون قيادات تقليدية أوصلتنا إلى مرحلة عقيمة من مراحل المشاركة الحقيقية، حين كانت عنواناً للتواطؤ مع المؤسسة الرسمية، مقابل بعض الامتيازات العابرة.
الآن يختلف الأمر، والحال تختلف عما سبق. تهب الشعوب معتمدة على طاقتها المحركة التي تدرك حجمها العظيم، ولكنها في الوقت نفسه تقف عند مفترق خطير، فهي من جهة تعرف جيداً ما الذي لا تريده، وهو الظلم والقهر والاستبداد والتهميش، ولكنها من جهة أخرى ليست مدركة تماماً، أو ليست مجمعة تماماً على ما تريد. وإذا كانت هذه التجربة حدثت في تونس ومصر، فقد آن الأوان للجماهير الأخرى في البلدان الأخرى، أن تتعلم الدرس الجديد، وهو أن تفكر أيضاً في ما تريد، إضافة لإدراكها لما لا تريد.
نقول هذا الكلام، لئلا نقع في الشراك التي تتقن نصبها القوى المستبدة والمستغلة والقوى الانتهازية التي تملك من الأقنعة ما لا تملكه جموع الناس. ونقول هذا الكلام أيضاً، لئلا نصل إلى مرحلة الخلاف الجذري في ما بعد. صحيح أنه لا يجوز أن نختلف على جلد الدب قبل صيده، ولكن، صحيح أيضا أن نشكل إجماعاً ما على آلية ديمقراطية تنظم عملية انتقال السلطة، أو تضع أولويات الإصلاح، وتركز على جوهرها لا على قشورها. فتغيير الحكومات في الوطن العربي أمر محبب أصلاً في الأنظمة الحاكمة، ولا ينبغي لأحد أن يطالب بإسقاط حكومة ما، لأن هذا لن يغير في الأمر شيئاً. والمهم هو أن تكون لدى الجماهير فكرة واضحة عن مفهوم المشاركة السياسية الحقيقية، فلا تكفي المطالبة باستفتاءات وقوانين انتخابات وما شابه ذلك، طالما ظلت آلية الحكم قائمة كما هي.
ليس القصد هنا رفع السقوف أو خفضها، ولكن القصد هو أن ندرك أن الثورات والانتفاضات كالتي حدثت وتحدث في غير بلد عربي، لا تحدث كل يوم، وهي تحتاج إلى سنوات وعقود لكي تتجدد، وبالتالي فإنه لا ينبغي لنا انتظار سنوات أو عقود أخرى للقيام بثورة جوهرية.
إنه الوقت الملائم تماماً، وما علينا سوى توظيف اللحظة لمصلحة التغيير الحقيقي، من دون أن نترك فرصة لأي متسلق أو أمير حرب!
لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.