كل جمعة

مع الحرب ضد الشرّ

باسل رفايعة

«عندما يطالب الرجال والنساء بحقوقهم بطريقة سلمية، فإن إنسانيتنا المشتركة تكون قد تحسنت، وحيثما يشتعل ضوء الحرية يصبح العالم أكثر نوراً». هذا اقتباس من الرئيس الأميركي باراك أوباما، الذي أرى أنه اتخذ قراراً شجاعاً ومسؤولاً بالذهاب إلى الحرب ضد معمر القذافي، التي قد نختلف في دوافعها وطموحاتها بالنسبة للأميركيين، إلا أنها تظلّ خطوة ضرورية للقضاء على نظام، بلغ به جنون العظمة حداً قال فيه للشعب الليبي: «إما أن أحكمكم كما أشاء أنا وأولادي، أو أقتلكم كما أشاء أنا وأولادي ومرتزقتي».

لا حلّ لرجل يقصف البيوت، ويقتل الناس فيها وهم نائمون، ولا وسيلة للحوار معه وهو يقصف الجرحى في المستشفيات، ويدك الأحياء السكنية والشوارع بالمدفعية وراجمات الصواريخ، ثم يعلن أنه لم يستخدم القوة ضد شعب فتح له سجوناً ومقابر أكثر مما شيّد من المستشفيات والمدارس والجامعات.

في بداية الثورة الليبية، كان الرجال والنساء يطالبون بحقوقهم بطريقة سليمة تماماً، لكن ذلك فوق احتمال العقيد، فهو لا يعرف المسيرات والاعتصامات إلا إذا كانت تأييداً له ولحكمه، وما عدا ذلك فمعضلة لا حلّ لها سوى الطائرات والصواريخ، إنه رجل لا يؤمن بالغاز المسيل للدموع، ولا بهراوات رجال مكافحة الشغب، ولا بخراطيم المياه، فتلك حلول ناعمة لا تؤدي إلى دماء غزيرة وجثث في كل بيت، وحي، وزنقة.

أؤيد هذه الحرب ضد القذافي وقواته، حتى سقوطه وقيام نظام جديد، نأمل أن يكون مدنياً وديمقراطياً، سأكون سعيداً بكل قذيفة وصاروخ أميركي أو أوروبي يسقط على آلة الحرب القذافية، لأن ذلك يحمي طفلاً أو امرأة في بيت ليبي بات مفتوحاً على الألم والفجيعة.

حالي مثل كثيرين من العرب، لايزالون ناقمين على الولايات المتحدة، لوقوفها الأعمى والتاريخي مع العصابة النازية في إسرائيل، وبسبب جرائم جورج بوش الأب والابن في العراق، لكنهم يأملون أن تتكثف الطلعات الجوية من أميركا وحلفائها على القذافي ليسقط سريعاً، ولا يحظى حتى بفرصة للهرب. إنه حال مستعصية على العلاج الطبيعي، ولا حل له سوى السمّ الزعاف، فلعله يكون درساً لكل القذاذفة، ليفهموا جيداً أنْ ليس بمقدورهم قتل شعوبهم من الرجال والنساء المسالمين الذين يريدون أن «يصبح العالم أكثر نوراً» من دون عقاب، وهو اليوم عقاب من جنس العمل.

أجبرنا القذافي أخيراً على أن نؤيد أميركا وحلفاءها وهم يقصفون أرضاً عربية، ذلك أن أحداً فينا لا يستطيع أن يُحاجج بأن ثمة وسيلة أخرى لكبح جنون نظام «يزحف» على أناس مطالبين بالحرية والخبز والكرامة، ولا يريد أحداً يعارضه على قيد الحياة، نظام يريد أن يدخل التاريخ بأبشع عملية إبادة يتعرض لها شعب، نظام لا يؤمن بوقف إطلاق النار، ولا بالحوار، ولا بالانتخابات، ولا بالديمقراطية، ولا بأي شيء سوى شهوته المريضة بالدماء. وهذا لا سبيل إلى مواجهته سوى حرب برية وجوية واسعة، يشارك فيها العرب قبل غيرهم للقضاء عليه، وإنقاذ حياة الأطفال والنساء والرجال في ليبيا، وتوجيه رسالة واضحة إلى كل من لم يتعظ من سائر القذاذفة في بلاد العرب بأن حياة الناس ليست رخيصة لتسيل دماؤهم في الشوارع، وتتحول إلى مسالخ بشرية، تحت أي ذريعة، أو أي سبب.

baselraf@gmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر