أبواب

طرق مبتكرة للموت

محمد المرزوقي

يحتاج الإنسان إلى 20 سنة ليقرّر أي مهنة سيختار، 25 سنة ليقرّر بمن سيرتبط، 55 سنة ليقرّر لمن سيزوّج ابنته، 70 سنة ليستعد للموت! ومع ذلك، عندما يحين وقت الموت، يحتار، ويطلب يومًا إضافيًا ليفكّر كيف يموت بأفضل طريقة!

لهذا السّبب قامت «أتلانتس ميموريال ريف»، وهي مقبرة أنشئت تحت الماء قبالة مدينة ميامي بيتش في ولاية فلوريدا، بتوفير مدافن لعملائها على عمق 12 مترًا لمن يريدون الموت بطريقةٍ استثنائيّة.

من يدُفنون في تلك المقبرة، لا يحتاجون إلى شواهدَ حجريّة وصلبان توضع على قبورهم، لكي تحدّد أينَ يرقد كلّ واحدٍ منهم، ربّما، ليكفّ الزّوار على الضفة الأخرى من الحياة عن إزعاجهم، أو ربّما لننساهم بشكلِ أسرع!

في البداية تقوم «أتلانتس ميموريال ريف» بتحويل جثث عملائها إلى رماد عن طريق حرقها، ثمّ يُمزج رمادهم بالإسمنت، ليتمّ بعد ذلك إفراغه في قوالب على شكل نجمة بحر، حصان، مرجان أو غيرها من الأشكال، التي ستتحول مع مرور الأيّام إلى مكانٍ تضع فيه الأسماك بيوضها، أو حديقة بحريّة تلهو بين شعابها صغار أسماك القرش و«اللخمة»!

كم سيكون الأمر رائعًا لو كانت حياة الإنسان تنتهي بطريقةٍ أخرى غير الموت، ثمّ الذهاب للقبور، لو أنّنا نتحوّل بالفعل إلى نجمات بحر أو مرجان! سنقرأ في الصّحف خبرًا كهذا: زلزال يضرب اليابان بقوّة ثماني درجات مخلفًا وراءه أضرارًا ماديّة جسيمة و10 آلاف نجمة بحر!

ربما سننظر حينها إلى الموت شيئاً لطيفاً، ولن يكون هناك من داعٍ للخوف أو الحزن عند موت حبيب/قريب، والأهمّ من ذلك كلّه أنّ عدد القساوسة/ الحاخامات/الوعّاظ الذين كلما حلّت كارثة أو مصيبةٍ بقومٍ من الأقوام، أو أمّةٍ من الأمم، برّروها بأسباب ميتافيزيقيّة بحتة، سيبدأ بالتّناقص تدريجيًا!

يسمّي خبراء السّلوك هذا التصرّف بـ«لوم الضّحية»، وهو أسلوب يعمل على برمجة عقول الأفراد، والتّحكم في أفعالهم، بل وتوجيهها نحو سلوكٍ معيّن عن طريق تغذية نقاط الضّعف الكامنة، كالخوف، في دواخلهم. يشبه الأمر نوعًا ما، طريقة مدرّسي الرياضيّات القدامى في تعليم جدول الضّرب عن طريق الضّرب! ومع أنّنا تجاوزنا هذه الطّريقة البدائيّة في خطابنا التّعليمي والتربوي، إلا أنّ الخطاب الدّيني لايزال متخمًا بها!

نتيجةٍ طبيعيّة لذلك، طغت مفاهيم الخوف والهلع واليأس على مفاهيم المحبّة والرّجاء والرّحمة في طقوس العبادات لدى الأفراد، حتى أصبح الرّعب هو السّمة الاولى التي يجب أن يتحلّى بها المؤمن، أمّا محبة الله والاستبشار بواسع رحمته فيأتيان ثانيًا بعد أن تتشبّع الروح بالخوف تشبعًا تامًا!

al-marzooqi@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب يرجى النقر على اسمه.

تويتر