5 دقائق

ميره القاسم

تعودنا في الفترة الثورية السابقة، إن جازت التسمية، على تجاهل تام لخطابات الرؤساء واعتبارها جزءاً هامشياً من الثورة، وانصب التركيز والاهتمام على شعارات الشعب والنكات الساخرة التي أطاحت بأقوى وأعتى الزعماء العرب بشكل واضح.

في ليبيا اختلف الوضع وأصبح الاهتمام بخطابات القذافي أكثر من هتافات الشعب الليبي كونها غريبة وساخرة مثل «زنقا زنقا» و«إلى الأمام» و«ثورة ثورة» و«يا حلاوة»، وغيرها من الألفاظ والعبارات التي لم نستغربها من معمر القذافي طوال مدة رئاسته، بالطبع لن تنقذ تلك الخطابات القذافي وأبناءه من غضب الشعب، ولن تثني الثوار رغم تجاهل العقيد لغضبهم وبطولاتهم في أحاديثه الإعلامية وخطبه، ليقنع العالم بأن شعبه يحبه بجنون لذا هم يتظاهرون!

سنوات طويلة ظل العقيد يراهن على كتابه الأخضر الذي عرض فيه أفكاره حول أنظمة الحكم، وتعليقاته على التجارب الإنسانية كالاشتراكية والحرية والديمقراطية، لكنه لم يلتزم بما جاء فيه قبل سقوطه المتوقع في أية لحظة، بعدما استخدم العنف ضد شعبه، لذلك سيؤمن القذافي قريباً بالكتب ذات الألوان المختلفة التي ستوثق مسيرته الحقيقية خلال 42 عاماً، حكم خلالها الشعب الليبي بالعنف والترهيب.

عبارة واحدة ضمن الاحتجاجات الثورية في ليبيا كانت كفيلة بتشخيص حالة العقيد، وقد كتبت على لافتة «الشعب يريد علاج الرئيس»، ولا أدري هل هي شفقة على الحال المزرية التي أوصلت الحاكم إلى التشبث بكرسي الرئاسة، حتى لو أدى الأمر إلى تفتيش منازل ليبيا بيتاً بيتاً، أو أنها الشفقة على الوضع المرتبك الذي يظهر عليه الرئيس بنرجسيته المعهودة، حتى وهو في «زنقا» لا يعلم بها إلا الله بعد أن حاصره الشعب، وبدأ يستهتر بحكمه وعنفه في آن واحد، وفي تحد واضح للقوة التي بدأت تنسحب من يد العقيد من يوم لآخر، من دون أن يأخذ العبرة من الزعماء الساقطين. سيناريو سقوط الحكم في ليبيا لن يختلف عن مصر وتونس، وكنا نتوقع أن نرى الزعيم الليبي وقد استفاد مما حصل، وأن تكون لديه حلول واقعية وعقلانية، تساعده على كبح جماح الثورة، حتى لو كان أحدها تخليه طواعية عن الحكم، لكن المفاجأة حدثت بخروج ابنه سيف الإسلام لتخويف الشعب، ومن ثم لحاق والده به في شكل ساخر، ثم إرسال ابنيه خميس والساعدي لإدارة معركة مع الشعب، بمساعدة المرتزقة، ثم عودة لاستجداء دعاة السعودية للخروج في وسائل الإعلام لمخاطبة الشعب الليبي، وثنيهم عن مطالبهم المشروعة، إضافة إلى ادعاء هدوء المدن الليبية وتهميش الثورة بشكل استفز الثوار والقياديين داخل ليبيا وخارجها. إن ما يحدث في ليبيا من حماقة وتسلط على الشعب الآن درس يجب ألا يمر مرور الكرام على بعض الحكام في أوطاننا العربية، ليعودوا إلى الصواب ويعطوا شعوبهم جميع حقوقهم المشروعة والقانونية، وفي مقدمتها احترام إنسانيتهم والتخلي عن الطريقة التقليدية في إدارة الشعوب، بالتفكير نيابة عنهم، ومنعهم من التعبير عن أوضاعهم بالشكل الذي يرون أنه الأنسب لهم. نصيحة أقدمها بكل تواضع لكل الديكتاتورين أن يعتبروا بما آل إليه حال ملك ملوك إفريقيا، وإمام المسلمين، وهو يتعامل مع شعبه بكل وسائل القمع والتنكيل حتى لا يطاردهم الشعب ويضعهم في «زنقا زنقا».

wahag2002@hotmail.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتبة يرجى النقر على اسمها .

تويتر